ذكرى بيعة ولي العهد مسيرة تحول ورؤية مستقبلية

علي بن أحمد الزبيدي
في كل عام تمرّ علينا بفخر واعتزاز ذكرى بيعة ولي العهد الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز حاملة بين طياتها رسالة تفاؤل لأبناء المملكة وللعالم: أن المستقبل يُصنع بالإرادة، وأن الرؤية لا تعرف المستحيل.
هذه الذكرى التي تُعدُّ منعطفًا تاريخيًا في مسيرة المملكة الحديثة، فمنذ تولي سموه ولاية العهد في السابع والعشرين من شهر رمضان المبارك لعام 1438 هـ الموافق 21 يونيو 2017 ، قاد الأمير الشاب تحولات جذرية طالت مختلف جوانب الحياة في السعودية، مُترجماً رؤية طموحة تسعى إلى تأسيس دولة عصرية متكاملة، قادرة على مواكبة متطلبات القرن الحادي والعشرين، مع الحفاظ على هويتها العربية والإسلامية.
كانت أبرز الإنجازات التي قادها الأمير محمد بن سلمان مرتبطة ببرنامج "رؤية السعودية 2030"، الذي أطلقه في عام 2016 كرئيس لمجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية. ومع توليه ولاية العهد، تسارعت وتيرة التنفيذ، حيث تم العمل على تقليل الاعتماد على النفط عبر مشاريع ضخمة مثل:
- مدينة "نيوم" : التي تُعدُّ أيقونة الرؤية، بتمويل يتجاوز 500 مليار دولار، كمشروع مستقبلي يعتمد على الطاقة النظيفة والتقنية المتطورة.
- مشروع البحر الأحمر السياحي الذي أتى لتعزيز قطاع السياحة، مع حماية البيئة.
- خصخصة قطاعات حكومية مثل الطاقة والنقل .
- جذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة، التي ارتفعت من 1.4 مليار دولار عام 2017 إلى 19.3 مليار دولار عام 2022.
- تأسيس صندوق الاستثمارات العامة، الذي أصبح أحد أكبر الصناديق السيادية عالمياً بأصول تزيد عن 700 مليار دولار.
كما شهدت السنوات الأخيرة إصلاحات اقتصادية جذرية، مثل رفع الدعم عن الطاقة، وفرض ضريبة القيمة المضافة، لتعزيز الموازنة العامة، إضافة إلى تمكين القطاع الخاص وزيادة مشاركته في الناتج المحلي من 40% إلى 65% بحلول 2030.
لم تكن التغييرات اقتصادية فحسب، بل طالت البنية الاجتماعية، حيث قاد الأمير محمد بن سلمان تحولاً ثقافيًا غير مسبوق، تمثل في:
- تمكين المرأة السعودية عبر السماح بقيادة السيارات (2018)، وتعديل أنظمة الولاية، ودخولها سوق العمل بنسبة تجاوزت 35% بحلول 2022، بعد أن كانت 19% عام 2016.
- تطوير قطاع الترفيه عبر إنشاء هيئة الترفيه، التي نظمت فعاليات عالمية مثل حفلات الموسيقى والرياضة، وكأس السعودية للفورمولا 1، مما ساهم في تحسين جودة الحياة.
- محاربة الفساد عبر حملة ركزت على استعادة الأموال المنهوبة، وتعزيز الشفافية.
وقد أدرك ولي العهد أهمية الثقافة كأداة للتنمية، فأطلق مشاريع مثل:
- مشروع "مسار" لإحياء المواقع التاريخية، كمدائن صالح والعُلا.
- تسهيل منح التأشيرات السياحية عام 2019، مما ساهم في زيادة عدد السياح من 4 ملايين عام 2016 إلى 93 مليوناً عام 2023.
- دعم الصناعات الإبداعية عبر إنشاء هيئة الثقافة، والمشاركة العالمية في المعارض الفنية.
وتحت شعار "السعودية الخضراء" و"السعودية الرقمية" ، تم إطلاق مبادرات مثل:
- الاستثمار في الطاقة المتجددة ، عبر مشروع "سكاكا" للطاقة الشمسية، وخطط للوصول إلى الحياد الكربوني بحلول 2060.
التحول الرقمي في الخدمات الحكومية، حيث أصبحت السعودية من بين أفضل 10 دول في الخدمات الإلكترونية وفقاً للأمم المتحدة.
- الذكاء الاصطناعي: عبر شراكات مع كبرى الشركات التقنية، وإنشاء مركز بيانات ضخم في نيوم.
وقد عززت السعودية تحت قيادة الأمير محمد بن سلمان مكانتها الإقليمية والدولية عبر:
- تشكيل تحالف إسلامي عسكري لمحاربة الإرهاب.
- تعزيز التحالف مع دول الخليج عبر مجلس التعاون .
- إبرام اتفاقيات اقتصادية مع دول آسيوية وأفريقية، وتوقيع اتفاقية أوبك+ لاستقرار أسواق النفط.
- إعادة العلاقات مع إيران عام 2023 بوساطة صينية، لتخفيف التوترات الإقليمية.
ولم تكن رحلة الأمير محمد بن سلمان سهلة فقد واجهته صعوبات محلية وإقليمية ودولية، لكنه استمر في تعزيز سياسة الانفتاح والتقدم والتميز بعزيمة وحنكة وحكمة، مع التركيز على أولويات محلية مثل خفض معدل البطالة إلى 8% عام 2023، وزيادة متوسط العمر المتوقع إلى 75 عاماً.
همسة الختام :
ذكرى البيعة ليست مجرد مناسبة للتذكير بالإنجازات، بل هي تأكيد على استمرارية المسيرة. فالأمير محمد بن سلمان، برؤيته الشابة، يعيد تعريف دور السعودية كقوة اقتصادية وثقافية رائدة، مع الحفاظ على ثوابتها. وفي ظل تحديات عالمية معقدة، تبقى السعودية نموذجًا لتحول ناجح من اقتصاد تقليدي إلى دولة مستقبلية، تضع الإنسان في صلب اهتماماتها.
حفظ الله الملك سلمان بن عبدالعزيز وحفظ ولي عهدنا الأمير محمد بن سلمان.