صحتك النفسية في رمضان
بقلم - د . ندى العيسى
مع قدوم شهر رمضان المبارك من كل عام يعيش العالم الإسلامي في مناخ روحي متميز يختلف عن بقية أوقات السنة .. ولعل الصيام في هذا الشهر هو أحد الأركان الهامة الي تمتد آثارها لتشمل كل نواحي حياة المسلمين فاللصيام آثار إيجابية علي الصحة العامة للجسد وعلي الصحة النفسية بشكل خاص
فالصيام لا يعني الامتناع عن تناول الطعام والشراب ، والتوقف عن ممارسة الشهوات خلال النهار ، ولكنه بالإضافة الي ذلك هناك جو روحاني خاص يميز هذا الشهر الفضيل وهو المشاركة بين الأفراد في تنظيم أوقاتهم خلال اليوم بين العبادة والعمل في فترات محددة وتخصيص أوقات موحدة يجتمعون فيها للإفطار.
للصوم فوائد كثيرة على الفرد ، منها اكتساب الفرد الاجر والثواب من اداء فريضة الصوم في رمضان ، بالإضافة الى الفوائد الجسمية لبعض المرضى مثل مرضى السكر والضغط ، كما ان له فوائد النفسية ، حيث يؤدى الصوم الى حدوث التوازن في جسم الانسان وبالتالي الى تحسين الحالة النفسية من خلال التواصل الاجتماعي والمشاركة في اجواء رمضان ، وهو ما يهمنا في موضوعنا الحالي وهو : ما علاقة الصيام بالصحة النفسية ؟ هناك علاقة وطيدة بين الصيام والصحة النفسية منها :
الصوم يؤدى الى حدوث التوازن في جسم الانسان
1-المشاركة في رمضان :
يتميز شهر رمضان بالمشاركة بين افراد الاسرة من خلال اجتماع الاسرة على الطعام في وقت واحد ،
وحرص الفرد على الصلاة في جماعة ، والزيارات الاسرية ، وممارسة العبادات ، وهذه المشاركات لها تأثير إيجابي في تحسين الصحة النفسية ، خاصة للذين يعانون من العزلة ، فهذه المشاركات تكسر الحاجز بينهم وبين المحيطين بهم .
المشاركة في رمضان في الطعام يؤدى الى الصحة النفسية
2-الصوم يقوى الارادة :
للصوم آثار إيجابية في تقوية الارادة التي تعد نقطة ضعف لدى معظم الافراد فهو يمنحهم العزيمة من خلال الصبر الذي يتطلبه تأجيل الاشباع للحاجات الشخصية والشعور بالرضا من خلال نجاحه في ضبط النفس ، وهذا يزيد من الثقة بالنفس ويساهم في مضاعفة قدرة الفرد على التحمل مما يزيد من مواجهته ومقاومته لاي سلوكيات غير جيدة في حياته مثل القدرة على الاقلاع عن بعض السلوكيات الضارة مثل التدخين .
الصوم يقوى الارادة
3-الصوم يؤدي الى الطمأنينة والتقرب الى الله :
الصيام يعطى الانسان احساساً بالراحة والسكينة من خلال التقرب الى الله بالدعاء مما يحقق له
الاحساس بالطمأنينة ، والتوكل على الله مما يقوى من تحمل الظروف الصعبة والقدرة على مواجهة المشاكل التي تواجه الفرد في حياته مما يعطيه الراحة النفسية والهدوء والصبر على الابتلاء اضافة الى ذلك فإن الصوم يساهم في التخلص من مشاعر القلق والتوتر التي يشعر بها الفرد نتيجة مشاكل الحياة اليومية.
الدعاء يؤدي الى الطمأنينة والتقرب الى الله
5- الصوم يخفف من التوتر وينمي القدرة على التفكير المنظم :
أن للصيام دورا في تقليل التوتر، والسبب الرئيس لهذا هو ان استهلاك الطعام المنظم يؤثر على طريقة التفكير التي تصبح بدورها منظمة أيضا، ووفقا له، أظهرت الدراسات أن انخفاض مستويات الأكل بما في ذلك الكربوهيدرات والدهون بكميات محددة يعزز من القدرة على التفكير ، وينمي القدرة على التحكم في العواطف ، ويخفف من التوتر.
فتنظيم جدول الأكل خلال رمضان يحافظ على هرمون الكورتيزول المسؤول عن استجابة الجسم للإجهاد والتوتر، حيث يعمل الصيام على التحكم في هرمون الكورتيزول الذي تنتجه الغدد الكظرية. فعندما يكون الأكل منظما تكون الهرمونات أكثر تنظيما أيضا وهو ما يمكن أن يقلل من مستويات التوتر.
5-الصوم يساعد على تنمية شخصية الفرد :
من فوائد الصيام انه ينمي الشخصية ويزيد من النضوج وتحمل المسؤولية ويساعد الفرد على الهدوء النفسي والطمأنينة ، فهو يمنح الفرد فرصة لكي يفكر في ذاته ، وينمي قدرة الفرد على التحكم في الذات ويعمل على التوازن الذي يؤدى الى تحسين الحالة النفسية ، فالصيام علاقة بين الفرد وربه ، فقدرته على عدم النظر الى المحرمات التي كان يمارسها في الاوقات العادية وغيرها من الافعال السلوكية التي تبطل الصيام من العوامل التي تقوى شخصية الفرد وتعدل من بعض النواحي الاخلاقية والسلوكية في شخصيته وتستمر معه فيما بعد الصيام ، مصداقاً لقول الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) خير الاعمال ادومها ولو قلت " .
فالصوم يساعد الفرد على ان يتمتع بشخصية متزنة ، من خلال الالتزام بأداء العبادات وتطبيق تعاليم الدين في تعامله مع الآخرين ، والالتزام بالأخلاق الاسلامية والاقتداء برسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) في سلوكه وتعامله مع الآخرين ، ويصبح بذلك اقل عرضة للإصابة بالاضطرابات النفسية ، لشعوره بالراحة النفسية والرضا عن النفس الدائم .
مما يساهم في استعادة التوازن النفسي من خلال التقرب الى الله الذي يمنح الفرد امناً في الثواب ويساعد على التخلص من المشاعر السلبية التي يشعر بها الفرد عندما يواجه مشاكله اليومية
الصوم يساعد على تنمية شخصية الفرد
نصائح لتحسين الصحة النفسية في رمضان :
هناك بعض النصائح التي يمكن للفرد ان يتبعها في رمضان لتحسين حالته النفسية منها :
1-تجنب السهر في رمضان او في الايام العادية واحصل على قدر كافي من النوم .
2-تجنب المأكولات الدسمة في الاوقات المتأخرة من الليل .
3-تجنب العزلة وشارك الآخرين .
4-الحرص على اداء الصلاة في المسجد .
5-ان الأشخاص الذين يتمتعون بشخصية متزنة ولديهم وازع ديني قوى ، هم الذين يلتزمون بأداء العبادات وروح الدين في تعاملهم هم غالباً اقل اصابة بالاضطرابات النفسية .
6-أهمية التقرب الي الله بالصيام والعبادات ودور الإيمان بالله في الوقاية والعلاج من الأمراض النفسية والمشكلات الأخرى ، والوصول الي حالة من الطمأنينة والاستقرار والاتزان النفسي .
العبادة تبعث الطمأنينة والراحة النفسية
وفي الختام : ومن وجهة نظر الطب النفسي فإننا ننظر الي الصوم وقدوم شهر رمضان علي انه فرصة جيدة وموسم هام يساعدنا في مواجهة الكثير من المشكلات النفسية التي يعاني منها الفرد طول العام ، والمثال علي ذلك ان المدخنين الذين اعتادوا علي التدخين يمكنهم الاقلاع بسهولة عنه خلال هذا الشهر الفضيل ، كما ان الاشخاص الذين يتصفون بالعصبية وسرعة الانفعال يمكنهم التحكم في انفعالاتهم والتعامل مع الآخرين بهدوء ، ومعالجة مشكلات حياتهم بحكمة وتروى ، كما ان الفرد يمكنه اكتساب عادات ايجابية مثل المداومة على الصيام يومين في الاسبوع ( الاثنين والخميس ) والمحافظة على الصلاة في اوقاتها بالمسجد ، والتخلص من بعض العادات السلوكية مثل الكذب او النفاق او الرياء وهذه العادات السلوكية اذا حافظ الفرد عليها بعد رمضان فإنه سوف يكتسب صحة نفسية دائمة .