|

لكي لا يبقى الفقير فقيراً

الكاتب : الحدث 2025-12-18 02:04:32


بقلم - علي الجفالي

في السنوات الأخيرة، لم يعد الجدل حول العمل الخيري مقتصرًا على حجم التبرعات أو عدد المستفيدين، بل انتقل إلى سؤالٍ أعمق: هل نُخفف أثر الفقر أم نُنهي أسبابه؟

الواقع أن كثيرًا من الجمعيات الخيرية، رغم نزاهة مقاصدها وانضباطها التنظيمي، ما زالت تعمل ضمن نموذج الإعانة المحدودة..دعمٌ يضمن البقاء لكنه لا يصنع الاستقلال،ومع التحوّط المشروع من الإفلاس، يُقدَّم الدعم بجرعات صغيرة تحفظ استدامة الكيان، لكنها — دون قصد — تُطيل أمد الحاجة.

محليًا، بدأت تظهر تجارب واعدة انتقلت من منطق “الصرف” إلى منطق “التمكين” ، برامج ركزت على التدريب المهني، وتشغيل القادرين من الأسر المستفيدة، ودعم مشاريع إنتاجية صغيرة في الزراعة والصناعات البسيطة والحِرف، خصوصًا في القرى والمناطق الطرفية. 

هذه التجارب — وإن كانت محدودة النطاق — أثبتت أن المستفيد حين يُمنح فرصة عمل منتجة وتحت إشراف منظم، يتحول من متلقٍ للدعم إلى عنصر في دورة اقتصادية حقيقية.

دوليًا، رسخت نماذج مشابهة هذا التوجه عبر ما يُعرف اليوم بـ الاستثمار الاجتماعي ، حيث تُدار المشاريع الإنتاجية بعقلية اقتصادية ورسالة اجتماعية، ويُعاد توجيه العائد للفئات المستهدفة. 

هذه النماذج نجحت لأنها لم تتعامل مع الفقر بوصفه حالة إنسانية فقط، بل كقضية اقتصادية تتطلب أدوات السوق، والانضباط التشغيلي، والشراكة مع الدولة والقطاع الخاص.

إن تعميم هذا التوجه يتطلب إطارًا وطنيًا أو تنظيميًا واضحًا، يسمح للجمعيات بتوجيه جزء من مواردها إلى إنشاء مصانع ومشاريع إنتاجية، مع دعم حكومي بحزم إعفاءات على دورة المنتج ، ورقابة تشغيلية صارمة. 

كما أن إشراك سلاسل التوزيع — عبر نسب محددة من تصريف المنتجات — يحوّل هذه المبادرات من اجتهادات فردية إلى منظومة مستدامة.

الخلاصة:
الخير الأكثر أثرًا ليس في إدامة الدعم، بل في بناء القدرة. وحين يتحول العمل الخيري من إعانة استهلاكية إلى استثمار اجتماعي منظم، يصبح الفقير شريكًا في الإنتاج لا رقمًا في قوائم الانتظار.