|

معرض جدة يصنع أجيال القراءة

الكاتب : الحدث 2025-12-18 11:40:42

بقلم ــ خليل القريبي 
مستشار إعلامي 


تطورات ملموسة يشهدها معرض جدة الدولي للكتاب عامًا بعد عام، يلاحظها كل من يتابع المشهد الثقافي عن قرب، فالمعرض اليوم أصبح مساحة ثقافية حيَّة تتجاوز فكرة عرض الكتب إلى تجربة متكاملة تجمع القارئ، والكاتب، والناشر، وصنَّاع الرأي في بيئة واحدة تتنفس المعرفة والحوار. في كل دورة جديدة، يظهر المعرض بصورة أكثر نضجًا من حيث التنظيم، وتنوُّع دور النشر، وثراء الفعاليات المصاحبة، حيث الندوات الفكرية، وورش العمل، وتواقيع الكتب، والحوارات المفتوحة منحت الزائر شعورًا بأن الكتاب حاضر في قلب المشهد، مرتبط بالحياة اليومية، وقادر على جذب فئات عمرية مختلفة.

أحد المشاهد اللافتة هذا العام يتمثل في الحضور المتزايد للجيل الجديد من الكتَّاب، خاصة في مجالي الرواية وأدب الطفل، هذا الجيل يقدم أعمالًا تحمل عمقًا في الفكرة، وصدقًا في الطرح، واهتمامًا واضحًا بجمالية الإخراج، بما يعكس وعيًا مبكرًا بقيمة المحتوى وأثره. إسهاماتهم أضافت بُعدًا جديدًا للمكتبة المحلية والعربية، ورسخت صورة مختلفة للكاتب اليافع القادر على الجمع بين الإبداع والمسؤولية الثقافية. 

ومن بين الوجوه الجميلة في معرض جدة الدولي للكتاب هذا العام، برز حضور ابناي الروائيين، الأصغر سنًا في المملكة، (مهنا) و (غِنى)، خلال توقيع إصداريهما الجديدين، إذ قدَّم مهنا روايته الثانية له بعنوان «آركانس» وهو عمل روائي يفتح أبواب الخيال بأسلوب سردي ناضج، بينما وقَّعت غِنى كتابها الثالث لها بعنوان «كإنسان»، الذي يحمل تأملات إنسانية قريبة من القارئ، وصياغة تعبِّر عن حس عميق رغم حداثة التجربة، خاصةً باللغة العربية. لحظة التوقيع تجاوزت الفرح الشخصي، لتتحول إلى مشهد ثقافي إنساني يؤكد قيمة احتضان الموهبة منذ وقت مبكر، ويعكس دور البيئة الداعمة في بناء كاتب صغير يمتلك أدوات التعبير، ووعي الكلمة، واحترام القارئ، وهذا الحضور يعبِّر عن تحوُّل نوعي في أدب الطفل، من حيث العمق، واللغة، والاهتمام بالشكل الفني.

بهذا الزخم، يواصل معرض جدة الدولي للكتاب ترسيخ مكانته كمنصة تصنع الذاكرة الثقافية، وتفتح المجال لأصوات جديدة، وتؤكد أن القراءة حين تُحتضن مبكرًا، تصنع مستقبلًا أكثر وعيًا واتساعًا.