|

ماذا أعددنا لأنفسنا ..؟!

الكاتب : الحدث 2024-01-02 11:12:05

بقلم / عثمان الأهدل
----------------------- 


قد يكون لك صديقًا أكثر من الأخ، تجد منه معاملة ما لم تجدها من أخيك، ثم يأتي القدر يفقدك إياه ، وبقدرة الله يبقى أثرًا بعد حين، ويترك في حياتك فراغًا كان يملؤه بحضوره وتفانيه واخلاصه لمعنى الصداقة والأخوة.. نعم هادم اللذات لا يرحم، يهدم كل معاني لذات الحياة والسعادة، و فقد الأحبة ليس سهلاً بل هو ألم يعتصر القلوب، ويدمي العين قطرات من البؤس، شعرت بكل ذلك قبل أيام قلائل من مطلع العام الجديد الذي خططنا له وكنا على وشك وضع بصماتنا نحو النجاح المؤمل، ولكن حالت الظروف غير المتوقعة بموت صديقي الفجائي دون سابق إنذار .. مات صباحًا وكنا قد تواعدنا أن نلتقي في ذلك اليوم لمناقشة خطة العام الجديد، وكلنا آمال بأن يكون عام خير، ولم أدرك أنني أناقش شخصًا قُضي أمره في السماء. خبر وفاته وقع على أم رأسي كالصاعقة وحتى الآن لم استوعب ما حدث، فقد تعداني ملك الموت ليأخذ حياة هذا الصديق العزيز، ولا أعلم أنا أيضا كم بقي لي في هذه الدنيا من فرص، ربما قد تكون هذه آخر كلماتي. فقد أشعرني موته بمرارة وأن هذه الحياة لا تساوي عند الله جناح بعوضة، فضلًا عن أن نتنازعها وتكون أكبر همنا، والفطن طبعا هو من يجعلها قنطرة إلى جنات الخلود .. لا أستطيع تخيل الموقف وأنا أرمي عليه حفنة التراب لنواري جثمانه تحت الثرى، مات الصديق والشريك وتبخرت معه كل الآمال والطموح، بل فقدت أهم جزءًا في حياتي، وخاصة كنا لا نفارق بعضنا إلّا لفرش النوم .. ليتني أتواصل معه حتى أعرف كيف حاله الآن، وكيف تصير الأمور معه. قد تغيرت تصرفاتي وزهدت من هذه الحياة ولم أعد أهتم بها إلّا بالقدر اليسير الذي يجعلني مستورًا، لقد رأيت جثمانه أمامي خامدًا هامدًا بلا حراك ، لم يأخذ معه أي شيءٍ من ملذات الحياة ونعيمها، بل دُفن في قبره خالي اليدين .. و تذكرت حينها ما كتبه الخليفة عمر بن الخطاب على خاتمة "وكفى بالموت واعظًا"، فهل نحن فعلا نتعظ من الموت. في ذلك اليوم يوم تشيع جثمان صديقي، حضرت معه أكثر من ستة عشرة جنازة في نفس الوقت، شعرت حينها أن ملك الموت يحصد أرواح الناس بالجملة، أناس تحط رحالهم عن قافلة الحياة، تجف أقلامهم وتطوى سجلاتهم، ولن تكون هناك لهم فُرص أخرى لمحو الذنوب أو زيادة الحسنات، استعدادًا ليوم العرض الأكبر، يوم الحساب. إنه هادم اللذات ياأخواني لا يعرف شريفًا ولا وضيعًا الكل عنده سواسيةً، فهل نحن مستعدون لذلك اليوم .. طبعًا لم أقصد بهذا الكلمات إدخال اليأس في نفوسكم، ولكن هي للتذكير فقط، وخاصة أننا وقفنا على عتبات عامٍ جديدٍ لا نعلم ماذا يحمل لنا من المفاجآت، ويجب علينا أن نكون مستعدين له، ولا ندع الظروف تُسير أمورنا كيفما اتفق، نعم نحن نعيش في دولة غنية وحكومة مجتهدة تعمل ليلًا ونهارًا لتوفر رغد العيش لشعبها، ولكن ليست مسؤولة عن المهملين الذين يعيشون الحياة بشكل عشوائي بل يجب أن نجعل الظروف طوع أيدينا، وهذا ليس مستحيلًا لو تمسكنا بحبل الله و عضينا عليه بالنواجذ ، فهو من وعدنا بذلك جل في علاه، في قوله؛ {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ} ..
ولا ننسى أن الفساد لو دخل من بابٍ خرج الرزق من الباب الآخر، فلا يجتمعان في مكان واحد، وقد يقول قارئ أن هناك فجرة ولديهم من الأموال الوفيرة، غير مدركٍ أن هؤلاء نهايتهم وخيمة وقد توعدهم الله بالويل والثبور ؛{وَأُمْلِي لَهُمْ ۚ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ}، فنحمد الله إن اصابنا الكرب، فلا نعلم ما قد أُعد لنا من النعم إن صبرنا واحتسبنا، لأن الله يريد أن يؤدبنا لنعود إليه ويغفر لنا، ولم تكن الأزمات في الحياة الدنيا إلّا لتكون رحمةً لنا، وأختم مقالي بقول ابن القيم رحمه الله، إذ قال ؛"لو كشف الله الغطاء لعبده، وأظهر له كيف يدبر الله له أموره، وكيف أن الله أكثر حرصًا على مصلحة العبد من العبد نفسه، وأنه أرحم به من أمه، لذاب قلب العبد محبة لله ولتقطع قلبه شكرًا لله".