|

الوداع الأخير ..!

الكاتب : الحدث 2023-12-26 03:53:22

بقلم الدكتور/ محمد بن مرضي
-------------------- 


من نحبّ أصبح ضيفٌ لله .. يالله .. كم هي حجم الفاجعة التي تحلّ بنا عندما نفقد من نحب ، وكيف بنا إذا كان هذا العزيز هو ريحانة الروح وقريبًا للقلب وقرّة للعين .. إن الموت والحياة بيد الله تعالى وحده ، وأنه تعالى خلق الآجال وقدرها ، وكل شيء عنده بمقدار ، فمن استقرّت عنده هذه الحقيقة تعزّى بأن الموت بيد الله تعالى قدّره على خلقه فيصبر على قدر الله تعالى ويرضى به ، فلا يسخط ولا يجزع منه ، والعبد لا يكون مؤمنا ما لم يؤمن بهذه الحقيقة .. خيّم الحزن على الوجوه وتفطّر القلب كمدًا على فقد الحبيب ولكن المؤمن لايقول إلا مايرضي الله .. آآآه من الفقد ما أوجعه .. آآآه من الوادع ما أقساه .. وإن للروح مواطن يصل الألم فيها لدرجةٍ لايقاسيها أحد ولا يتصوّرها إلا من ذاق مرارة الوداع المفاجئ بدون موعد .. إنّ الوداع مؤلمٌ إذا كان إلى الأبد .. وأقسى أنواع الشوق هو أن تشتاق لغائب عند ربه ينعم في رحمات الله وملوكته الغيبي .. بل ومن أكثر الأشياء ألمًا أن تشتاق لغائب لن يعود وأنت تعلم ذلك .. أيها البشر إن الحزن هو أقسى أنواع البكاء الذي لادموع فيه ، يقدّره الله عليك ليرافقك دهرًا من الزمن حتى يأذن الله برحيله .. فأحسن الله عزاء كل من فقد حبيبه ، وعزائنا أن جموع المصلين في المقابر خلف الجنائز هم شهداء الله في الأرض لمن لقوا ربهم بأنهم أدّوا أمانتهم ولقوا ربهم وهم يشهدون بوحدانيته ويتضرعون إليه ويرجون رحمته ويقيمون حدوده .. أيها الراحلون الذين أوجعوا قلوبنا برحيلهم .. من بشائر الله لنا ولكم قوله جّل في علاه (الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ طَيِّبِينَ ۙ يَقُولُونَ سَلَامٌ عَلَيْكُمُ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ) ، اليوم رِثائنا هو دعائُنا لكم بالنور التام يوم القيامة وجنة عرضها السماوات والأرض ، فرسولنا الكريم صلوات الله وسلامه عليه قال : من كان آخر كلامه من الدنيا لا إله إلا الله دخل الجنة ، هنيئًا لكم فقد ربح البيع مع الله وهنيئًا لكم بهذه الخاتمة الحسنة وجمعنا الله بكم في مستقر رحمته .. نعم هذا ماوعدكم ربكم حقًا فستجدونه حقًا بإذنه تعالى .. رحلتم ولكن بقيت نوافذ ذكرياتكم وأعمالكم ومواقفكم وأياديكم البيضاء مُشرّعة يذكرها الدهر ويصفق لها التاريخ وتفخر بها ذرياتكم من بعدكم .. أيها البشر .. إني لكم ناصحٌ أمين .. الموت يأتي بغته فأحسنوا إلى من تحبون .. إن هذا الشعور الذي أكتبه بقلمي وتقرأونه اسمه حزن ، وهذه العاصفة التي أشعر بها في قلبي اسمها حِداد ، وهذه المرحلة من حياتي هي فصل الشتاء القارس لروحي ، ولكنني سأعيشه بكل إيمان وثقة بالله .. سيكون ذلك مؤلم جدًا عليّ .. ولكنه ألمٌ يحمِل في طياته قدرًا كبيراً من الوفاء لفقيد قلبي .. سأبكي طويلًا عليه وسأخلق طقوسًا خاصة بي للحزن وسأجرب كل أنواع الرثاء ، وسأتحدث عن فقيدي  كثيرًا ، وسأعتنق خيالاتي وأهيم في  محاسن ذلك الغائب العظيم لأن الوفاء للراحلين .. لا يعكس ضعفنا واحتياجنا لهم ، بل يعكس عُمق حُبنا واتصال أرواحنا بهم حتى بعد موتهم .
إن أكثر ما يُدمى القلب أنهم رحلوا سريعًا دون أن نخبرهم كم أن الحياة بدونهم غُربة وكم أنهم كانوا سَكنًا لأرواحنا التائهة .. وأن فراقهم كالعين الجارية الّتي بعد ما أخضرّ محيطها نضبت .. وأن الفراق حزنٌ كلهيب الشّمس يبخّر الذّكريات من القلب ليسمو بها إلى عليائها ، فتجيبه العيون بنثر مائها ؛ لتطفئ لهيب الذّكريات وياليتها تنطفئ لكنها تُخمد لتبقي شرارة الوفاء فتشعل القلب وتعيده سيرته الأولى .
ثم سلامٌ ورحماتٌ على أرواح كل الغائبين في عالم البرزخ .
◇تلويحة وداع :
جرح الفراق بخاطري ما أقدر أنساه 
ومن يفقد أحبابه عسى الله يعينه