|

أزمة الكاتب المُخرج ..!

الكاتب : الحدث 2023-12-08 07:57:11

أرسل لي كاتب نصين لأفلام قصيرة موجهة إلى المهرجانات ومنها مهرجان أفلام السعودية في دورته التاسعة وكانت النصوص مكتوبة بشكل رائع وحازت على إعجابي بشدة ، وكنت متأمل جدًا أن يكون المخرج شخص متمكن واسم له وزنه في الساحة حيث سيكون الإخراج هو التاج الذهبي لتحويل النص إلى صورة مبهرة مع رؤية إخراجية متمكنة إلا أن حالة الإعجاب والترقب كسرت بمجرد سماع جملة ( أنا كتبت العمل وأنا سأخرجه ) ، توجهت سريعًا للبحث عن الكاتب إذا كانت له تجارب إخراجية أو تخصصية على أقل تقدير ، انتابتني حالة من الجمود محاولاً تبرير التصرف أن الكاتب ربما يريد طرح الفكرة بأسلوب مغاير يحمل نوعًا من التشويق والذكاء في سرد القصة ( لا أريد أن أُحْبَط ) محاولاً فهم السبب لهذه المجازفة ولماذا ؟!عرض الفلم في افتتاح المهرجان بكمية من الأسئلة (لماذا تجازف بنص جميل وبإخراج ضعيف) لماذا قتلت جمال القصة؟! لماذا كل هذه الأخطاء؟! لماذا لم تكن الرؤية واضحة؟! لماذا؟! لماذا ؟!
ولكن الإجابات أتت سريعًا عنما انتهى الفلم ووجدت (الكاتب المخرج) بدأ يحتفل باللقب لا بالعمل هنا أيقنت أن الفلم كان الهدف منه اللقب وليس الفن والمهنية بل على العكس حصل على جوائز كثيرة ومفرقة مما جعلني أخمن ربما أكون مخطئ في تقديري (للكاتب المخرج) إلا أنني متيقن تماما أن هذا العمل لن ينجح في المهرجانات الجادة والصارمة وكان توقعي في مكانه 
 نحتاج في الوقت الحالي إلى التخصصية والتفرد في العمل لا إلى الازدواجية وكثرة الألقاب فالمجال يحتمل الجميع وليس الجميع في شخص، التنوع والثقافة الفنية مطلب مهم لكل منتمي إلى هذا المجال في كافة أفرعه ومجالاته وهذا لا يعني كونك مثقف وقارئ نهم أن باستطاعتك أن تخوض مجالات فنية إبداعية تحتاج إلى دراسة تجارب تتسم بالنضوج والجدية لا بالمحاولة والتجربة الجرداء التي يقينا عندي أنها أقرب إلى العبثية نوعا ما لماذا؟! ببساطة القصة تكتب برؤية والمخرج يظهرها برؤية كل حسب تخصصه، إذًا متى يجتمع اللقب المزدوج؟ الإجابة بكل مصداقية ووضوح هي: عندما تجتمع الخبرة في كلتيهما ويوجب ذلك التجارب الطويلة والنضوج الفني لا بكثرة القراءة وكثرة المقالات والتنضير، وجود المعلومة لا يشترط سهولتها إنما يوجب تطبيقها من مختص وإلا لماذا تعددت مجالات المختصين من إضاءة وديكور وملابس ومنتير ومدير إضاءة وتصوير ومساعد مخرج ومخرج منفذ كل هؤلاء لماذا لم يكونوا أنت فقط إذا كنت تعي أنك قادر على جمع الفنين بلا أي خبرة كمخرج مع علمي ويقيني أنك كاتب رائع لدى البعض، لا أنوي بذلك نفي القاعدة أنها لم تحدث أو لم يتم الجمع بل على العكس اتفق جدا أن الجمع بينهما حدث كثيرا ولكن قليل منها ينجح لسبب يجتمع في أغلب التجارب الفاشلة وهو قلة الخبرة والممارسة..
 السينما هي فن يجمع بين الكتابة والتصوير، وقد احتلت الأفلام التي استندت إلى كتابات الكتّاب الأوروبيين مكانة بارزة في عالم السينما. سنستعرض أبرز الكتّاب الأوروبيين الذين قاموا بإخراج أفلام ناجحة استندوا فيها إلى أعمالهم الأدبية..
1- فيودور دوستويفسكي (روسيا): يُعتبر دوستويفسكي واحدًا من أعظم كتّاب العالم، ولكنه أيضًا قام بإخراج فيلم مستوحى من روايته "الجريمة والعقاب" والذي حمل نفس العنوان. حقق الفيلم نجاحًا كبيرًا وحصد العديد من الجوائز..
2- فيتوريو دي سيكا (إيطاليا): كان دي سيكا روائيًا وكاتب مسرحيًا بارزًا، ولكنه أيضًا أخرج العديد من الأفلام المأخوذة من أعماله الأدبية. من أشهر أفلامه "الدراجة السارقة" و"أميركانو"، حيث نقل ببراعة رؤية القصص الأدبية إلى شاشة السينما..
3- فرانز كافكا (النمسا): على الرغم من أن كافكا لم يكن مخرجًا لنفسه، إلا أن العديد من أعماله الأدبية تم تحويلها إلى أفلام ناجحة. من أبرز الأمثلة على ذلك فيلم "القصر" المستوحى من رواية "القصر"، والذي حاز على إشادة واسعة وتقدير النقاد.. 
4- جوستافو ماشادو (إسبانيا): يعتبر ماشادو واحدًا من أشهر الكتّاب الإسبان، ولكنه أيضًا قام بإخراج فيلم "حديقة البنفسج" استنادًا إلى روايته التي تحمل نفس الاسم حقق الفيلم نجاحًا كبيرًا ونال إعجاب الجماهير ..
5- الكاتب الفرنسي الشهير فيكتور هوغو: - أحد أبرز الكتّاب الأوروبيين الذين قاموا بإخراج أفلام. - أشهر أفلامه "ليز ميزرابل"، المستوحاة من روايته الشهيرة. - براعته في تحويل العوالم الأدبية إلى لوحة سينمائية مذهلة ..
توضح هذه الأفلام الأدبية والكتّاب الأوروبيين المهمين الذين قاموا بإخراج أفلام استنادًا إلى كتاباتهم وجانبًا مهمًا في تاريخ السينما الأوروبية والعالمية. تلك الأفلام لا تقتصر على تمثيل أعمال الكتّاب في قالب سينمائي، بل تعكس أيضًا روح الأعمال الأدبية وتضفي عليها بُعدًا جديدًا ومثيرًا. إن تأثير هذه الأفلام على السينما والأدب لا يمكن إنكاره، حيث تجسد تمامًا الروح الإبداعية للكتّاب وتخلق تجربة سينمائية فريدة من نوعها للجمهور. في النهاية، يمكن القول بأن إخراج الكتّاب الأدبيين لأفلام استنادًا إلى كتاباتهم يثبت أن الفنون المختلفة يمكن أن تتعاون وتتأثر بعضها البعض لخلق أعمال فنية مذهلة. هذه الأفلام تظهر قوة الرواية والسينما في نقل الأفكار والقصص بطرق مختلفة وإلهام الجمهور والفنانين على حد سواء ..
 باختصار، يوجد العديد من الكتّاب الأوروبيين البارزين الذين قاموا بإخراج أفلام استنادًا إلى كتاباتهم الأدبية. هذه الأفلام ليست مجرد تجسيد للروايات، بل تعكس أيضًا رؤية الكتّاب وقدرتهم على تحويل الكلمات إلى صورة تلامس المشاعر وتبهر الجمهور. إن تواجد الكتّاب كمخرجين لأفلامهم يضفي على الأعمال السينمائية القيمة الفنية والعمق الأدبي. ويعد استناد المخرجين الأوروبيين إلى أعمال الكتّاب في صناعة الأفلام خطوة جريئة تبرز تعددية المواهب وتجسد فن الكتابة والتصوير في آن واحد. إن تلك الأفلام التي تم تحويلها من أعمال أدبية نالت شهرة واسعة وتقديرًا من قبل الجماهير والنقاد على حد سواء ..
 لا تجمع بين شيئين إذا لم تكن لديك الخبرة الكافية في المجالين لكي لا يحدث ما هو معروف .. وهو سقوط أحد الأعمدة فيدمر العمل ككل. أنا أنادي بالتخصصية في المجال الفني بكل أفرعه وأخص بذلك الكتابة لوحدها والإخراج لوحده والجمع بينهما يتم بعد ممارسة طويلة وخبرة كافية لكليهما حتى لا تخترعون قاعدة جديدة وهي ( جرب كل شيء ودمر كل شيء).

بقلم ــ عارف أحمد 
٢٠٢٣/١٢/٨