كفتى المحاماة بين المخالفات النظامية وأخلاقيات المهنة
الحدث - مشاري العصيمي
وجه عددا كبيرا من خريجي القانون على شبكة التواصل الاجتماعي "منصة x" بالنظر إلى ما يمرون به من صعوبات مهنية، وذلك في التعامل مع بعض مكاتب المحاماة التي تساومهم وتستغل حاجتهم في التدرب لديهم، لا سيما انعدام الكفاية المالية لدى بعضهم للالتحاق ببرامج مركز التدريب العدلي.
وفي الإطار وضع بنود تفاقم من معاناتهم دون تمكينهم من كامل حقوقهم المهنية التي كفلها النظام، حيث كان الصمت قاهرا لبعضهم؛ ممن منحوا فرصة التدرب خوفا من إخلاء طرفهم من قبل المحامي المسؤول عن قيدهم، وفي السياق دون أدنى مسؤولية من المحامي للأخلاقيات التي تفرضها عليه المهنة، وعليه قواعد التدريب -ناهيك عن ذلك- إكراه المتدرب على عقد صوري.
وانطلاقا مما سلف وضع المتدرب المغلوب على أمره طوع مرادسلطة مدربه، وذلك دون معارضة من المتدرب، وذلك في سبيل إنهاء تدريبه والقبول بما فرض عليه من استغلال أسماء بعضهم في عملية التوطين الوهمي، ولما كان ذلك كذلك تجاوز قواعد التدريب القانوني في قطاع المحاماة والاستشارات القانونية.
واستنادا إلى ما سلف أوضح محامي النقض والدستورية العليا باحث الأمن السيبراني والجرائم الرقمية باحث الدكتوراه أ.محمد عطية في حديث خاص خص به الحدث استهله قائلا (إن مسألة استغلال المتدربين في بعض مكاتب المحاماة تمثل إشكالية تتعارض على نحو صريح مع أخلاقيات المهنة وأحكام نظام العمل السعودي، المحاماة مهنة ذات رسالة سامية تهدف إلى تحقيق العدالة والحفاظ على حقوق الأفراد، ولذلك يجب أن تكون ممارسة هذه المهنة متوافقة مع القيم الأخلاقية والقانونية، أي سلوك ينحرف عن هذه المبادئ، مثل استغلال المتدربين أو تقديم عقود صورية، يعد انتهاكًا لمبادئ المهنة، ويؤثر سلبًا على سمعتها).
وأردف (من الناحية القانونية أولا نظام العمل السعودي ينص على وجوب أن تكون العلاقة بين العامل وصاحب العمل قائمة على عقد عمل موثق، وعليه يوفر حقوق الطرفين بما في ذلك حق المتدرب في الحصول على أجر عادل وظروف عمل لائقة).
وأتبع في حديثه (العقود الصورية تنتهك هذه المبادئ، وتعد مخالفة صريحة للقانون، مما يعرض صاحب العمل للمساءلة القانونية، ثانيا نظام المحاماة يشترط على المحامين الالتزام بمعايير أخلاقيات المهنة التي تتضمن التعامل بعدل وكرامة مع المتدربين، بما يعزز من ممارستهم المهنية، ويساهم في تطويرهم العملي، وبناء على ذلك استغلال المتدربين أو استخدام عقود صورية لا يخالف فقط النظام، بل يضرب بجوهر الأخلاق القانونية عرض الحائط).
وأبان "عطية" (من الضروري تعزيز التوعية بحقوق المتدربين والعمل على إقامة دورات تدريبية حول حقوقهم وواجباتهم القانونية).
وأضاف تعقيبا (يجب على الجهات المختصة في وزارة العدل ووزارة العمل تكثيف الرقابة على مكاتب المحاماة لضمان التزامها بالنظم والأخلاقيات المهنية).
وأشار (ينبغي تشجيع المتدربين على التقدم بالبلاغات ضد أي ممارسات غير قانونية، مع توفير الحماية القانونية لهم).
وأوعز قائلا (إن الحفاظ على كرامة المتدربين وضمان حصولهم على حقوقهم هو مسؤولية جماعية تقع على عاتق مكاتب المحاماة والجهات المختصة على حد سواء).
وعلاوة على ذلك ذكر حساب المستشار القانوني على "منصة x" في حديث خاص خص به الحدث تعقيبا على الصعوبات التي تواجه المتدربين قائلا (إن شح فرص التدريب في شركات المحاماة سببه عدم وجود نص نظامي يلزم تلك الشركات والمكاتب بتدريب عدد من المتدربين سنويا، وعليه عدم وجود أجهزة رقابية فاعلة في وزارة العدل تراقب وتلزم تلك الشركات).
واستطرد (إن توفرت بعض الفرص، فستكون دون مقابل مالي أو بمقابل لا يكفي حتى أجر المواصلات، وبالمقابل يضغط على المتدرب، ويطلب منه أعمال كثيرة، ويرى بعض أصحاب المكاتب أنهم متفضلين بتلك الفرص رغم إن بعض المتدربين يقدم خدمات كبيرة ومؤثرة وفاعلة، لكنها لا ترى بحجة أن مقدمها ما يزال متدربا).
وأكمل (من شروط وزارة العدل للمكاتب المخولة بالتدريب أن يكون المكتب مضى عليه أكثر من خمس سنوات من حصول صاحبه على الترخيص، وعدلت مؤخرا إلى ثلاث سنوات، وهذا يضيق دائرة التدريب، ولو فتح التدريب في أي مكتب محاماة بغض النظر عن تاريخ حصول الرخصة لكان أفضل، لم تعدل وإنما يشترط أن يكون المحامي حاصلا على الرخصة من خمس سنوات، حتى يحق له فتح باب التدريب).
وألحق "المستشار" في حديثه (بعض المكاتب تستغل المتدرب في أعمال بعيدة البعد كله عن المحاماة سواء موصل طلبات أو سكرتير أو منسق أو معقب).
مضيفا (بعض المكاتب ترفض تدريب النساء بسبب عدم وجود محاميات أو كادر نسائي في نفس المكتب ومكاتب المحاماة التي يشرف عليها محاميات في الوقت الحالي قليل ولا يوازي العدد المهول والكبير من القانونيات المتخرجات حديثا والباحثات عن تدريب).
وتأسيسا على ذلك أفاد المحامي أ.محمد الشهري في حديث خاص خص به الحدث قائلا (أُثيرت مؤخرا عدة شكاوى من بعض من يعمل في مجال المحاماة وخاصة المحامين المتدربين إذ إن أغلبهم يعانون عدة أمور واجهتهم في المكاتب التي يتدربون فيها، ومن هذه المشاكل: أولا- عدم الاهتمام بتعليم المتدرب لأصول المهنة بالكامل إذ إن هناك المتدرب يعمل فترة تدريبه بأكملها لمدة عامين لدى مكتب أو شركة المحاماة وفور انتهائه من التدريب يجد نفسه لم يتعلم سوى أمور سطحية في المهنة، ثانيا- ومن الأمور التي لا يستطيع المتدرب تعلمها في المكتب هو التدريب على كتابة وصياغة المذكرات والعقود في المكاتب، ثالثا- وفي السياق عدم القدرة على مقابلة العملاء واستلام القضايا منهم وتقدير أتعاب المحاماة في القضية، فهذه الأمور لا يقوم المكتب أو الشركة بتعليمها للمتدرب وعند قيامه بتأسيس مكتبة لا يستطيع أن يمارسها بنفسه، إذ إنه لم يجد من يعلمها له أصحاب المكاتب، وفي الإطار الشركات تقصر عمل المحامي المتدرب في إسناد أمر حضور الجلسات فقط وبالتالي فإن ما يتعلمه طيلة هذه الفترة هو حضور الجلسات فقط أما باقي أعمال مهنة المحاماة، فخبرته فيها ضعيفة ولذا فنهيب بأصحاب المكاتب والشركات سلمهم الله أن يعلموا المحامي المتدرب جميع الأصول الفنية التي تخص المهنة وأن يكلفوهم بأعمال متنوعة حتى تكون لديه الخبرة الكافية لممارسة العمل ومواجهة المستقبل بخبرته التي اكتسبها أثناء فترة تدريبه، وبذلك تكون بيئة العمل جيدة، وتقل نسبة حدوث الأخطاء من العاملين في المهنة).
وأبان "الشهري" (من الأمور التي يجب النظر إليها ووضعها عين الاعتبار أيضاً هو ندرة فرص تدريب من أراد أن يعمل في مهنة المحاماة فالمكاتب عددها قليل وشرط مرور (خمس) سنوات على المحامي، حتى يدرب المحامين لديه يجعل الفرص قليلة، فيجب أن تكون هناك آلية بإلزام المكاتب والشركات، حتى تقبل عدد من المتدربين بشكل إجباري وليس اختياريا كما هو الوضع الحالي، ومن الأمور أيضا التي تواجه المتدرب هو تحمله للنفقات، حتى يتمكن من إتمام التدريب مثل نفقات التأمينات وغيرها من النفقات دون أن يكون له عائد من المهنة خلال فترة تدريبه وهذا فيه إثقال على المحامي المتدرب).
وحرص على ذلك ذكرت المحامية حصة الجويان في حديث خاص خص به الحدث قائلة (المشرع يسعى للتحسين والتطوير دائماً بما يخص بيئات العمل كمجمل، وأعتقد أن الخلط بين بعض المفاهيم هي سبب المشكلة في ما يخص التدريب والعمل، فاتجهه رأي بأن التدريب هو تدريب على العمل أشبه بالتدريب الجامعي فيستحق مكافأة، وليس راتبا بناءً على مجهوده، ولا يصنف المحامي المتدرب كموظف بأجر، أما الرأي الثاني فيرى المحامي المتدرب كموظف مستحق للراتب).
وألحقت (أما من رأى بأنه لا يستحق شيئًا
قال النبي ﷺ: “ثلاثة أنا خصمهم يوم القيامة…” وذكر منهم: “ورجل استأجر أجيرًا فاستوفى منه، ولم يعطه أجره”).
وأردفت (من غير العادل والمنطق أن شخص يعمل وقدم خدمة لا يستحق أجرًا والنظام ينص بجلاء على ضرورة وجود عقد يحفظ حقوق المحامي والمتدرب، ويشترط تسجيل المتدربين في التأمينات الاجتماعية).
وأكملت "الجويان" (أما ما يخص التوطين الوهمي والعقود الصوري لا أظن بمن يعمل بإحقاق الحق بهذا النوع من الأعمال فالمهنة أمانة ورسالة عظيمة لاتسمح بطبيعتها أن تخالف قواعدها وتتجاوز النظام).
وفي الصدد نفسه قال القانوني والممثل النظامي أ.حسن العمري في حديث خص به الحدث قائلا (هذه الأفعال متنافية ابتداءً مع مفهوم المهنة، فالأصل المحامي يتعلم القانون ليطبقه لا ليخالفه فوجود هذه الممارسات ممن يمثلون هذه المهنة يسبب ضعفا للمهنة وتقليل من هيبتها، فإذا كان المحامي المتدرب يُصنع بهكذا طريقة فكيف يتنمى على نصرة المظلوم، ولم ينصر نفسه أولاً؟ وكيف سيطالب لاحقاً بحقوقه أو حقوق عملائه إن لم تعط له.
وأتبع في حديثه (المشكلة هذه ليست وليدة اللحظة، وإنما هي تُنال في كل قطاع وتحارب، لكن في القطاع القانوني رغم وجود الحلول الجذرية التي مع وجودها ستحل أغلبية المشاكل لم تطبق وعلى الجهات المشرعة والرقابية اتخاذ الحلول المناسبة وفرض العقوبات الرادعة لتنظيم المجال القانوني).
وألمح (أن عدد كبيرا من المحامين الذي يستغلون المتدربين لم يستطعموا مرارة ما يواجهه المتدرب من فرص شبه معدومة أو فتات مالية يحصل عليه أو حتى مطالبات بالدفع من قبل من لا يمثلون المحاماة؛ ولذلك يطالب المتدرب بدفع مقابل لهذا التدريب أو أن يرضى بعدم وجود المقابل والحجة في ذلك حصوله على تدريب يطوره في المجال القانوني ويؤهله لحصوله على الرخصة).
حيث أفاد "العمري" (إن الحلول تكمن في تقليص المدة الإلزامية لتدريب المحامين من ٥ سنوات إلى سنتين ، جعل عملية نقل الرواتب عن طريق منصة معتمدة تكون خاصة بالوزارة، تقييد المكاتب بنسب للتوظيف سواءً للأجانب أو السعوديين، فرض عقوبات وتجميد عضويات المخالفين أو تقييد الرخصة للحد من المخالفات، وفي الإطار بالإضافة إلى تقريب المسافة ما بين الجامعات والجهات سواءً قانونية أو غيرها لتدريب المحامين كما نشاهد في دول الغرب).
ومن زاوية أخرى قالت المحامية المتدربة أ.رغد الثبيتي (لا تكفي الحروف عن سرد مُعاناة المُحامي المُتدرب، فهو أكثر شخص بُخسَ حقه من قبل بعض مكاتب وشركات المحاماة، حيث أنَّهم يستغلون حاجته إلى التقييد والتدريب، ويحرمونه من أبسط حقوقهُ، وهي الراتب ليس ذلك فحسب أيضًا يلزمونه بدفع التأمينات شهريًّا، رغم وجود بند في العقد يلزم المحامي بدفع التأمينات، وهذا ليس إلَّا تحايلًا على النظام، و افتئاتًا على حقوق المُتدربين التي يأباها الشَّرع، وعلاوة على ذلك يخلون قيد المحامي المتدرب في أي لحظة، ودون سابق إنذار رغم عدم إخلاله بأي بند من بنود العقد، والفئة الأخيرة هم أشدٌ ظُلمًا وعليه (حسبي الله عليهم ونعم الوكيل) العدالة الإلهية ستأخذ مجراها عاجلًا أم آجلًا).
ومن جهتها قالت المحامية المتدربة أ.أصالة الزهراني في حديث خصت به الحدث ( لقد أكدت اللائحة التنفيذية الجديدة لنظام المحاماة على أن عقد المحامي المتدرب عقد عمل، وعقد العمل كما عرفه نظام العمل "عقد مبرم بين صاحب عمل وعامل، يتعهد العامل بموجبه أن يعمل تحت إدارة صاحب العمل أو إشرافه مقابل أجر" فالمحامي ملزم بدفع راتب للمتدرب حسب الحد الأدنى للأجور كونه صاحب العمل، بالإضافة إلى أن نظام التأمينات الاجتماعية قد ألزم صاحب العمل بدفع كامل رسوم اشتراك العامل في التأمينات الاجتماعية، وذلك يتضح في المادة ( 9 ) التي نصت على "يلتزم صاحب العمل بدفع كامل مبالغ الاشتراكات المستحقة عنه وعن المشترك خلال المهلة التي تحددها اللائحة، وهو وحده المسؤول تجاه المؤسسة عن دفعها" وعليه فلا يجوز للمحامي إلزام المتدرب بدفع الرسوم، ومع علم المحامين بأن هذه القواعد آمرة بمعنى أنه لا تجوز مخالفتها حتى وأن كان باتفاق الطرفين إلا أن البعض لا يتردد أبدا في مخالفتها إما بالضغط على المتدرب للتنازل عن الأجر أو إلزامه بدفع رسوم التأمينات الاجتماعية مقابل تدريبه، وذلك مخالفة صريحة للنظام أو اتباع طرق ملتوية لإضفاء الطابع النظامي على عمله، ومن هذه الطرق إبرام عقد صوري ينص فيه أن المتدرب يتقاضى أجرا والحقيقة عكس ذلك بالإضافة لتسليم الأجر الصوري فيودع المحامي أجر للمتدرب لإبعاد الشبهات عنه، ثم يطالبه بإعادته لحسابه، كل هذه التجاوزات غير النظامية تخالف أخلاقيات المهنة النبيلة).
وفي مقابل ذلك قالت القانونية ريم في حديث خصت به الحدث ( للأسف بعض شركات ومكاتب المحاماة تناقض نظام العمل وأخلاقيات المحاماة، وفي السياق عرفت من فترة عن أنه يوجد مكاتب تلزم المتدرب على أن يشاركهم دفع الإيجار حيث إن هذا الفعل مخالف لنظام العمل على أي أساس يتم إلزامه وهو متدرب فقط!).
يذكر أن ما يمر به المتدرب في ظروف تدريبه، لا سيما عمله مع مدربه أشبه بما يمر به التلميذ مع معلمه والمقتدي مع قدوته؛ إذ كان من المفترض أن يكون كما قال أمير الشعراء الشاعر الكبير "أحمد شوقي" في مطلع قصيدته "كاد المعلم أن يكون رسولا" وذلك في نقل رسالته وتبليغ علومه للاستفادة منها إيجابا، دون أن تؤثر سلبا