|

العقار بين التصحيح والتوازن

الكاتب : الحدث 2025-04-06 03:44:04

بقلم ــ زيد سلطان الحسين

شهد سوق العقار في مدينة الرياض خلال الأعوام الأخيرة قفزات سعرية غير مسبوقة، حوّلت حلم التملك إلى تحدٍّ عسير بالنسبة لشرائح واسعة من المواطنين وحتى بعض المستثمرين الأفراد. وقد تزامنت هذه الطفرة السعرية مع التوجه الطموح لتحويل العاصمة إلى مدينة عالمية، في إطار “رؤية السعودية 2030”، ما خلق حالة من الترقب والاحتقان داخل السوق العقاري.


قبل الوقوف على قرارات سمو ولي العهد الأخيرة، لا بد من تفكيك الأسباب التي أوصلت السوق إلى حالته الراهنة. أولى هذه الأسباب تمثلت في الندرة المفتعلة للأراضي المطورة داخل الرياض، رغم وفرة الأراضي البيضاء. مما فتح مجال واسع أمام سلوكيات احتكارية.

كما لعبت المضاربات العقارية دورًا بارزًا في تضخيم الأسعار، خاصة بعد دخول صناديق استثمارية وأفراد بقوة في مناطق محددة، أبرزها شمال الرياض، دون ارتباط حقيقي بالطلب الاستهلاكي الفعلي، بل استنادًا إلى توقعات مستقبلية مضخّمة.

يُضاف إلى ذلك أثر نزع الملكيات الواسعة في بعض المناطق، وما تبعه من انتقال السكان إلى أحياء ومخططات مجاورة، ما رفع من قيمتها السوقية بشكل غير متوازن.


في مواجهة هذه الاختلالات، جاءت قرارات سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان لتحدث تحوّلًا نوعيًا في هيكلة السوق العقاري، وليس فقط لإيقاف التصاعد السعري. ومن أبرز هذه القرارات:
    •    تحرير الأراضي: رفع الإيقاف عن أكثر من 81 كم² شمال العاصمة، ما يفتح الباب لتوسيع المعروض وتحقيق توازن مرتقب.
    •    ضبط التسعير: توجيه الهيئة الملكية لطرح الأراضي بأسعار لا تتجاوز 1,500 ريال للمتر المربع، في رسالة واضحة للحد من التضخم المفتعل.
    •    استراتيجية توزيع أراضٍ سنوية: توفير ما بين 10,000 إلى 40,000 قطعة أرض سنويًا، خطوة نوعية لضمان استقرار طويل الأجل وكبح المضاربات.


تشير التوقعات إلى أن أولى التأثيرات ستطال المخططات البعيدة وغير المطورة، والتي ستفقد ميزتها النسبية مع دخول أراضٍ بديلة ذات بنية تحتية وخدمات واعدة. ومن المتوقع أن تنخفض الأسعار في تلك المناطق بنسبة تتراوح بين 15% و30% خلال العام الأول.

أما المضاربات العقارية فستتراجع بشكل ملحوظ، في ظل ازدياد اليقين لدى المشترين بأن المعروض سيتوسع، مما يضعف دوافع الشراء السريع. أما على صعيد الإيجارات، فقد يشهد السوق هدوءًا نسبيًا بعد سنوات من الارتفاع، نتيجة لتحول شريحة من المستأجرين إلى التملك.


اما على المدى الطويل، يُتوقع أن تُسهم هذه السياسات في نشوء طبقة جديدة من ملاك المنازل، مع تحوّل كثير من المستأجرين إلى مالكين، مما سيعيد تشكيل التركيبة الاجتماعية والاقتصادية في العاصمة.

كما يُنتظر أن تتغير خريطة التوسع العمراني، مع انتقال التركيز من التمدد الأفقي العشوائي إلى تخطيط حضري منظم، بدعم من القطاع الخاص وإشراف الدولة من حيث الجودة والتسعير.

الأهم من ذلك أن السوق العقاري سيتحول من اقتصاد قائم على المضاربة إلى اقتصاد يرتكز على التطوير الفعلي، وهو ما سيؤدي إلى تحسين جودة المشاريع العقارية، ورفع مساهمة القطاع في الناتج المحلي غير النفطي.

من المهم التأكيد أن ما يشهده السوق ليس انهيارًا، بل عملية تصحيح مدروسة تهدف إلى إعادة التوازن. فرغم انخفاض الأسعار في بعض المناطق، إلا أن الطلب الحقيقي لا يزال قائمًا، خصوصًا في الأحياء النخبوية التي ستظل محتفظة بجاذبيتها.

قد يكون التصحيح مؤلمًا لبعض المضاربين، لكنه في المجمل خطوة ضرورية لضمان استقرار السوق وفعاليته.


السوق المتوازن لا يعني خسارة للمستثمرين، بل يعيد توزيع المكاسب بطريقة أكثر استدامة. فالمطورون سيستفيدون من زيادة حجم المبيعات بدلًا من الاعتماد على هوامش ربح مرتفعة في سوق راكدة، فيما تحقق الدولة أهدافها في رفع نسبة التملك وتقليل الفجوة الإسكانية، ويحصل المواطن على وحدة سكنية بسعر منطقي وجودة حياة أعلى.

وفي النهاية، تُعد هذه القرارات انعكاسًا لرؤية استراتيجية شاملة، تهدف إلى بناء سوق عقاري صحي ومستدام يخدم كافة شرائح المجتمع.