ومضات إدارية (٥) كثر شاكوك وقل شاكروك
أستكمل اليوم ما سبق وطرحته على صحيفتنا الغراء "الحدث" في مقالة بعنوان: "ومضات إدارية (٤) أعتذر لمن يجد نفسه في ثنايا المقال"، فيها خلاصة من تجاربي الشخصية وخبراتي العلمية وممارستي العملية في مجال الإدارة والقيادة المبنية على دراسة أكاديمية في مجال العلوم الإدارية المختلفة، واستعرض في مقالة اليوم مجموعة من التجارب الشخصية والممارسات العملية والحكم الإدارية التي خرجت بها من ميدان العمل الإداري على مدى ثلاثين عامًا وحتى اليوم أسردها عليكم في هيئة ومضات:
- أخي القائد أخي المدير مهما كان مقدار علمك وسنين خبرتك وأيًا كان موقعك وقدر سلطتك، احرص دومًا على إعطاء الموظفين الفرصة كاملة لتوضيح مقاصدهم والتعبير عن آرائهم بمطلق حريتهم، واحذر من التلويح ذات يوم بسلطتك لإثنائهم عن إبداء وجهة نظرهم، فيصمت المميزون العارفون ويتحدث الثرثارون المنافقون، ولا تكن ضيق الأفق سطحي التفكير قصير النظر وقم باستشارة أهل العلم والخبرة والحكمة ومن يُسمعك الرأي الآخر لا من يصادق ويتبنى رأيك طوال الوقت فتخدع وتتوهم أنك دومًا على صواب وحق، فتخسر.
- شكى زميل لي ذات يوم من تجميده الوظيفي وترقية زملاءه، يرى أنه يفوقهم علمًا وخبرة وكفاءة، وكان ردي عليه مازحًا: "إذا فضل رؤسائك في العمل زميل عليك للقيام بمهمة ما أو تكليف لمنصب أعلى، وهو أقل منك خبرة وشهادة ودراية بالعمل فلا تهتم ياصديقي، فصعب إقناع القرود أن الرمان ألذ وأصح من الموز"، فابتسم وقال: وجهة نظر تحترم.
- مقولة إدارية ذهبية تقول: "إذا أردت أن ينتشر موضوع أو أمرٌ ما أو خبر في العمل فاكتب أعلى الخطاب أو التعميم قبل إرساله (هام وسري وعاجل جدًا)"، ويُعد هذا الأسلوب من أحد أهم مبادئ الإدارة المستحدثة.
- زرت يومًا أحد الزملاء في مكتبه وكان هو وأنا في نفس المستوى الإداري، ولاحظت إهتزاز وضعف شخصيته، وبعد فترة من الزمن ترقى إلى وظيفة أعلى، فبدأ بالتصنع وتبني سلوك ومممارسة مهارات تعكس قوة الشخصية وصفات القائد لتتناسب مع المنصب الجديد، حتى أنه غير طريقة مشيته ونوع لبسه وأسلوب حديثه، ولكن واقع ومكنون شخصيته كان ينكشف مع أول نقاش أو حوار معه، فجوهر الشخصية لا يمكن تصنعه أو تغييره وتبديله بل فطرة يمكننا تطويرها فقط.
- تعلمت من ممارسة أعمال القائد سواء قائد في العمل أو في المنزل أو في أي مجال تمارس فيه القيادة، أنها ممارسة شاقة لمهام متعددة، ومن أصعب تلك المهام عملية اتخاذ القرارات اليومية والتي تُعد عملًا قاتلًا ومملًا القيام به بشكل يومي، والأفضل للقائد المميز الفذ وضع نظام واضح عادل مكتوب ومعلن للجميع يسير بوجوده وعدم وجوده.
- "كثر شاكوك وقل شاكروك فإما اعتدلت وإما اعتزلت"، رسالة حزم وعزم وإحساس رفيع بعظم المسؤولية وحق الناس في العيش والحياة الكريمة وجهها الخليفة عمر بن عبدالعزيز رحمه الله لأحد الولاة! فيا هل ترى كم من المسؤولين المقصرين في أداء عملهم اليوم يحتاجون مثل هذه الرسالة؟ وأجزم بأنهم في عصر الحزم والعزم سيتلقون مثلها لا محال.
- الموظف المثالي هو من يؤدي عمله بإتقان وحسب النظام دون التأثر بالعوامل السلبية المحيطة المحبطة في العمل سواء (رئيس مستبد -زملاء محبطين -بيئة عمل سيئة -نظام عمل عقيم)، وغيرها من المهبطات والمحبطات في بعض بيئات العمل.
- تبني المدير القائد علاقة إنسانية تقوم على الثقة والاحترام المتبادل بينه وبين الموظفين، وسعيه لتهيئة بيئة عمل جاذبة يسودها جو من الحب والانسجام بين الموظفين أنفسهم، لا شك أن ذلك سيولد المزيد من الأفكار الإبداعية والعمل الجاد المتقن الذي يصب نهاية المطاف في مصلحة المنظمة وتحقيق أهدافها المرسومة.
- أنـواع المشكلات في العمل من منظور مدرسة جمبا كايزنن اليابانية والتي تطرقت لها في مقالة سابقة هي: ١- مشكلات معروفة حلولها تحتاج إلى القيام بفعل، ٢- مشكلات معروفة حلولها تحتاج خبرة إضافية، ٣- مشكلات معروفة تحتاج مداخل ابتكارية جديدة لحلها، ٤- مشكلات غير معروفة تحتاج إلى تحديدها أولًا.
- نظام العمل يظل عقيمًا بترك الحبل على الغارب للرئيس المباشر في الإنفراد بتقييم أداء موظفيه بلا حسيب أو رقيب فيستغله من في نفسهِ مرض كسلاح للتسلط والتحكم بالموظفين دون وجه حق، والصحيح أن يتوفر لكل وظيفة مؤشرات قياس أداء واضحة ودقيقة قابلة للقياس، بحيث يستطيع الموظف تقييم نفسه بشكل دوري ونهاية العام وتقدير الدرجة المستحقة لنفسه بناءً على شواهد ومستندات يمتلكها الموظف قبل رئيسه.
المستشار والكاتب في صحيفة الحدث
محمد بن سعيد آل درمة