ومضات إدارية (٤) أعتذر لمن يجد نفسه في ثنايا المقال
سلسلة مقتطفات من رؤيتي وفلسفتي الخاصة في علم وعالم الإدارة ووقفات عند مجموعة من التجارب الشخصية والخبرات الخاصة في مسرح الميدان الإداري، وقد بدأت في طرحها عبر عدد من المقالات على صحيفتنا الغراء "الحدث" بعنوان عام ومضات إدارية وبأسماء مختلفة ومحتوى متغير شمل مصطلح المدير القائد ومفهوم الإدارة العلمية ومدارس الإدارة المتجددة واليوم مقالتي من مسرح الإدارة وسأطرحها عبر مقالين أتطرق فيهما لعدد من التجارب الشخصية والممارسات العملية والحِكم الإدارية والمبادئ العلمية التي خرجت بها من واقع مسرح الإدارة على مدى ثلاثين عام، أبسطها بين ناظريكم في ومضات:
- الحركيون أو الحزبيون أتباع التنظيمات المتأسلمة قمة الظلم والإقصاء والجور عندما يتقلدون مناصب قيادية، فهم لا يقبلون ولا يقربون ولا يرقون ولا يعترفون إلا بصنفين من الموظفين الأول: من كان من حزبهم يعتنق فكرهم ويسير على منهجهم، والثاني: لا حزبي ضعيف ليكون تحت أمرتهم وضمن سلطتهم لينفذ أوامرهم وفق أجندتهم.
- يكنس الدرج من أعلى إلى أسفل وكذلك السعودة يجب أن تبدأ من الوظائف العليا بالتوازي مع سواها من الوظائف والمهن البسيطة وبالتالي يسهل توظيف السعوديين عندما تصبح الإدارات العليا مسعودة، وكذلك الفاسدين يجب أن نبدأ بمحاسبة وإقصاء من هم في الإدارات العليا مرورًا بالوظائف الوسطى وصولًا لصغار الموظفين، وإعفاء رئيس جامعة مؤخرًا دليل على حكمة وبعد نظر قيادتنا الرشيدة حفظها الله.
- يقول فولتير كاتب وفيلسوف فرنسي: "قد أختلف معك بالرأي ولكني مستعد أن أدفع حياتي ثمنًا لحقك في التعبير عن رأيك"، وقال أمير الشعراء أحمد شوقي بيت شعر ورد في مسرحية مجنون ليلي يقول: "الاختلاف في الرأي لا يفسد للود قضية"، وهذا ما يجب أن يسود بين القائد وموظفيه، ولكن في حقيقة الأمر والواقع الإداري الذي عشته وعملت فيه وشاهدته بأم عيني أن الاختلاف يفسد للود ألف قضية وقضية، وأننا متفقون على مبدأ الاختلاف ولا يمكن إنكاره وهو معلوم في المذاهب الفقهية الأربعة.
- من المعلوم بالضرورة لكل من درس علوم الإدارة ومارسها أن القائد الناجح عندما يترك إدارته يستطيع أن يحل مكانه عدد من القادة كانوا يعملون تحت إدارته قام بتدريبهم وتأهيلهم وتهيئتهم للقيام بمهام القائد.
- ومن المعلوم بالضرورة أيضًا في علوم الإدارة ويتضح جليًا عند الممارسة أن المدير يعمل من خلال ووفق النظام لا يحيد عنه قيد أنملة، أما القائد فيعمل ضمن النظام وبروح النظام وفوق النظام.
- من السهل أن يلهث الموظف وراء كرسي الإدارة ويصل إليه منهكًا وقد فقد الغالي والثمين والنفيس والكثير من مبادئه وكرامته، فقد قيل قديمًا لا تذهب الإدارة إلا لمن طرق أبوابًا لم يطرقها غيره، ولا شك أن هناك استثناء حيث يصل الكثير للكرسي بجدارة وبلا إراقة قطرة كرامة واحدة، والسؤال الأبرز هنا لماذا يذل البعض نفسه ويريق ماء وجهه ويفقد الكثير من كرامته ويضحي بقيمه من أجل موقع إداري بلغه الكثير من قبله وسيصله الكثير من بعده؟ لا أعلم لأني لم أحاول يومًا أو أعمل لبلوغ موقع إداري أعلى بذلك الأسلوب الرخيص، ورغم ذلك حققت ولله الحمد كثيرًا من النجاحات وتحقيق الذات دون إراقة قطرةً واحدةً من ماء وجهي بفضل وتوفيق من ربي أولًا وأخيرًا.
- رسالتي لكل من قادته كفاءته واجتهاده أو حتى الحظ أو الواسطة وتقلد منصب إداري أن يتدبر آية قرآنية واحدة سوف تخلق منه بإذن الله قائدًا فذًا متى مافهمها وعمل بها وهي: "فيما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظًا غليظ القلب لانفضوا من حولك فاعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم في الأمر فإذا عزمت فتوكل على الله إن الله يحب المتوكلين".
- نصيحتي لمن يعتلي كرسي المسؤولية أيًا كان المستوى، ضع دوما نصب عينيك قول تعالى: "لايدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر"، فللمذكور أعلاه بريق وإثارة ووثارة تخطف الأبصار وتعمي القلوب فيبتلى بعض معتليه بالغرور والتواري والانعزال عن الناس حتى يدب الكبر في قلوبهم والعياذ بالله.
- تُعرّف الإدارة المستحدثة اليوم بقيام الموظفين في مستوى الإدارة الوسطى والدنيا بكافة المهام والأعمال من التخطيط والتنظيم والتنفيذ لتحقيق رؤية ورسالة المنظمة، بينما ينفذ المسؤولين في قمة الهرم والإدارات العليا إحالة المعاملات الإدارية والقليل من التوجيه والرقابة والكثير من الاجتماعات والمكالمات والمجاملات وتطوير الذات، وذلك من أهم أسباب التخلف الإداري والتعثر والفشل في تحقيق أهداف المنظمات اليوم.
- من الأخطاء الإدارية الشنيعة الشائعة تكليف الموظفين بمتابعة ومراقبة بعضهم البعض، الأسوأ من ذلك مراقبة الموظف لرئيسه بتكليف من المدير العام أو الرئيس الأعلى ويعتبر ذلك تفويض خاطئ من المسؤول لمهامه ومسؤولياته الأساسية.
- أصاب بخيبة أمل وذعر وخوف على مستقبل أجيال وأبناء الوطن حين يقوم على تربيتهم أباء أشباه رجال ترتعد فرائصهم خوفًا لمجرد أختلافهم في وجهة نظر أو أسلوب عمل مع رئيسهم المباشر، ولا يجرؤون على إبداء وشرح وجهة نظرهم خوفًا من ردة فعل الرئيس، وللحديث بقية من مسرح الإدارة في مقالة قادمة بإذن الله.
المستشار والكاتب:
محمد سعيد آل درمة
@mohammedaldermh