|

الإعلام بين الحقيقة والواقع.

الكاتب : الحدث 2022-09-19 08:10:58

 

بقلم : عثمان الأهدل …

" إذا كان الذهب القوة الأولى في العالم فان الإعلام القوة الثانية في العالم " هذا ما قاله "صموئيل الصهيوني" عند افتتاحه للمؤتمر الصهيوني الأول في بريطانيا عام 1917م. ولا شك أن من يمتلك هذا الصرح عالميًا هي حفنة من الرأسمالية إن صح التعبير، اتخذت أمريكا قاعدة لانطلاقتها و كمرتعٍ خصبٍ لتمرير أيديولوجيتها للتأثير على الشعوب، وقد برهن التاريخ أن الإعلام يُعتبر من أخطر الأدوات الذي اُبتكر حتى الآن. وقد زاد الأمر أكثر خطورة مع اقتحام وسائل التواصل الاجتماعي حياة الناس، أصبح له تأثيرًا ملموسًا على الحياة وأنماطها، بل أن تأثيره كان جليًا على تحريك الجيوش وإشعال فتيل الدمار بين الحكومات كما حدث في ثورة الربيع العربي التي جرت أحداثها في الأمس القريب، دمرت شعوبًا وأممًا لم تتعافى من تبعاتها حتى الآن. 

وفي ذات السياق يقول عبدالوهاب المسيري ؛"أصبح من الممكن إغواء الإنسان الفرد وإيهامُه بأن مايرغبُ فيه هو قرارٌ حرٌ نابعٌ من داخله، ولكنه في الحقيقة، شاهدَ مئات الإعلانات التي ولَّدت الرغبة الذاتية، وخلقت عنده الرَّغبة التلقائية". لم يبتعد المسيري في مقولته هذه عن الواقع الفعلي للإعلام الذي يزين الشواذ من الأفعال حتى يصبح مألوفًا تستسيغه النفس و تستسهله، وإن كان ينافي المبادىء، ولكثرة تكراره يصبح مقبولًا لها، ويضعف استنكاره تدريجيًا، بل أن النفس قد تبدأ بالدفاع عنه إذا وصل حدى الاقتناع به مَكْمنه. 

ولهذا لم يعد من يمتلك تلك الآلة حاجة ليكابد مشقة احتلال المجتمعات عسكريًا، يكفي مكينته الإعلامية التي تسيطر على الناس فكريًا، ولا سيما في الدول التي أخذ بساط الجهل فيها انتشارهُ انتشارًا واسعًا، استطاع الإعلام أن يخترق خصوصية تلك المجتمعات والأفراد محاولًا السيطرة عليهم وتوجيههم إلى غاياته التي لا تخلو من بعض الأفكار المنحلة، تجعل الشعوب ترفض مبادئها التي ترعرعت عليها وجعلها تقبل كل ما يروج لها محفوفةً بالمغريات أيًا كانت. تنشر بينهم كل ما يهدم فكرة الأسرة وتماسكها ونشر الرذائل والتعري تحت ذريعة الديمقراطية والليبرالية.

وفي المقابل لا تتورع هذه الامبراطوريات الإعلامية عن لي أعناق وكسر أذرع المؤسسات الاعلامية الأخرى التي تحيد عن أهدافها وغاياتها بمنع أو تقنين حصصها من عقود الدعاية والإعلان التي تسيطر عليها شركات تابعة لها، فمشاريع الدعاية هي ينبوع الطاقة للقنوات الفضائية وكمصدر رزقٍ وحيدٍ. كل ذلك لتثبيت نفوذها على البسيطة وتتأكد أن فكرها يدخل كل منزل وأسرة فضلاً عن منظمات ومجتمعات تقود أمم، ليسهل عليها قيادة العالم نحو منافعها المادية والسياسية يعاونها في ذلك لفيفٌ من الرأسماليين. 

وحينما نقول الرأسماليين لا نقصد من يعمل في عالم التجارة والمشاريع فحسب، بل نقصد أيضًا أصحاب النفوذ الاجتماعي عالميًا ذوي الأسماء الرنانة في عالم الأعمال. هي فئات في اعتقادي أخطر من الجيوش ذاتها، ورأينا في القريب الماضي دَور شركة فيس بوك وتأثيرها على الانتخابات الأمريكية، وإزالة بعض المنشورات التي تؤازر قضايا لا تتوافق مع توجهاتها وتوجهات من تخدم، ناهيك عن السماح لمنشورات معادية لأمم وأعراق أخرى ولا سيما الإسلام ومن ينتمي إليه، بل أنها تقف في وجه كل من ينكر على الصهيونية وأدواتها.

ومن المؤسف أن محيطنا العربي لم يسلم من تأثير الإعلام المعادي، فظهرت حفنة من الأقلام المأجورة  تشوه الحقائق لتواكب تطلعات الهجمة العلمانية الشرسة لهدم المبادىء الموروثة وشيطنة من يتمسك بها، وهذا تصديقًا لما ذكره مالكم إكس الثائر الزنجي المسلم، إذ قال؛"وسائل الإعلام هي الكيان الأقوى على وجه الأرض، لديهم القدرة على جعل الأبرياء مذنبين وجعل المذنبين أبرياء، وهذه هي القوة، لأنها تتحكم في عقول الجماهير". لا يخفى على أحد، للأسف، أن فضائنا الصحفي مليء بعدد هائل من المطبلين والمزورين يروجون الافتراءات ضد كل من يدعو إلى الفضيلة يتهمونه بما ليس فيه، يقلبون الحقائق تشويهًا وهدمًا للرموز الإسلامية التي عُرف عنها بتضحياتها على مر الأجيال. 

ولولاها لكانت الأمة في خبر كانَ ولا سيما بعدما أخذ الوهن في إيمان الناس مأخذًا لا يستهان به، ولا يخفى على الجميع أن الحياة دوليك كرٌ وفرٌ بين أهل الفضيلة الذين يدافعون عن بيضة الدين وبين العلمانيين الذين خُدعوا ببريق الغرب يحملون لواءه وتوجهاته، وصدق المولى إذ قال في محكم آياته؛ {الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِم بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَن يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ ۗ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا ۗ وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ ۗ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ}. ولا شك يقينًا أنْ نهضتنا وعزتنا بين الأمم لن تكون قائمة إلّا بالتمسك بالعروة الوثقى التي لا انفصام لها، والدفاع عن بيضة الإسلام والوقوف ضد كل ناعقٍ  كاذب يشوه الدين وأهله. 
والله غالبٌ على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.