*السراج *
كتبت مقالًا الاسبوع الماضي عنوانه ( السمرة على ضوء السراج) ولِما وجدته من تفاعل من القراء الكرام مع المقال وإرسال بعض الأشعار والصور ومنها الأبيات أعلاه وصلتني من أحد المتابعين والتي تتحدث عن السراج والحنين له ولمن كانوا يتسامرون على ضوءه الخافت المتواضع وهي قول الشاعر الذي لا أعرف له اسمًا :
ياسراج ياللي بالثرى صرت مدفون
من عقب نورك في مداهيل الأجواد
طبع الزمن دوار مافيه مضمون
اللي مضى من زين الأزمان ماعاد
واللي على ضوك يجون ويروحون
أكفت بهم شهب الليالي بالأعداد
ياسراج وضعك هيض اللي يمرون
مع ذكريات أيام من عهد الأجداد
وهنا يتضح أن الشاعر مر بهذا السراج المدفون أو رأى صورته وتذكر الماضي الجميل ببساطته ،الجميل بأهله الذين عشنا معهم (حتى ولو فترات بسيطة ) ، ولكن لِما لهم من تأثير في نفوسنا وعقولنا ولما تعلمناه منهم من صدق المعاملة والألفة والمحبة والمواساة أصبح الماضي جميلاً بذكرياتهم وليس بالمقومات التي كانت به ، فلم يكن هناك مقومات أو رغد عيش مثل حاضرنا الآن ، فحالنا اليوم أفضل من الماضي بالخدمات المتوفرة التي بذل فيها قادتنا من عهد المؤسس الإمام عبدالعزيز بن عبد الرحمن وأبناءه الملوك وسواعدهم من أبناء المؤسس ورجالهم (رحمهم الله جميعاً) حتى عهد قائدنا الحازم خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز وولي عهده الأمين الشاب الطموح ذو العزم والحزم صاحب الرؤية والهدف الشجاع المقدام الأمير محمد بن سلمان (حفظهما الله )، وقد بذلوا الجهد الكبير والغالي والنفيس لنصل إلى ما وصلنا له الآن من رغد العيش وتوفر الخدمات حتى أصبحنا في مصاف الدول الأولى عالميًا ومن ضمن أقوى ٢٠ دولة وضمن مجموعة G20 والحمد لله على هذا ، والشكر والدعاء لولاة أمرنا ومن عاونهم من أبناء هذا الوطن المعطاء جزاهم الله خير الجزاء .
وعودًا على أبيات شاعرنا في (السراج ) فنجد الشاعر في صدر البيت الأول يرثى حال السراج وما وصل إليه من دفنه بالثرى ثم يذكر في عجز البيت نفسه ماكان له من مكانة بإجتماع الزوار في بيوت الكرام الأجواد على ضوءه وقوله مدهال دليل على كثرتهم ،
وفي البيت الثاني يواسي شاعرنا ذلك السراج ويشرح له طبع الزمن وهو عدم البقاء على الحال وأنه غير مضمون لأحد ،وأن ماضي الأيام الجميلة لن تعود وهو يخاطب السراج قولاً ويرمز إلى حالنا جميعًا ضمنًا،
وفي البيت الثالث تحول شاعرنا من الرمزية الضمنية إلى الصراحة فتحدث مباشرة عن من كان يأتي على ضوء السراج للمسامرة أو المأدبة سواء أعدت لهم بدعوة سلفًا أم من عابري السبيل الذين جذبهم ذلك السراج الخافت ضوءً الفعّال دوراً ، (وهنا أتذكر كريم العرب في وقته حاتم الطائي عندما كان يشعل النار في رأس جبل بحايل لكي يراها المارة ويأتون للوليمة ) حيث أشار شاعرنا إلى مجيئهم على ضوء السراج عند رؤيتهم له ثم يروحون بعد المسامرة والكرامة وكأنه لازال يتلذذ بمسامرتهم وأحاديثهم الجميلة الصادقة الشيقة المؤنسة وقرعها بإذنه الذي لم ينساها رغم طول الزمن ، ويتذكر الشاعر فقده لهم بكل أسىً وأن شهب الليالي قد أخذتهم بالأعداد ، وقوله بالأعداد يدل على أنهم كثير . وهنا يتضح أن الشاعر كتب هذا الشطر بحرقة وألم عندما يتذكر أعدادهم ، ويقفل شاعرنا أبياته الأربعة التى تعادل في معناها عشرات الأبيات بمخاطبة السراج بأنه عندما رأي وضع السراج مرمي بين ذرات التراب ومنسي دوره الجميل إستهاضت شاعريته وهيض معه من يمر به وجدد عليهم الأحزان والذكريات مع الأباء والأجداد والأحباب الذين رحلوا ،
وهنا نستشعر الحنين للماضي وللأباء والأجداد والأهل والأصدقاء الذين فقدناهم ونشتاق لهم كل يوم مع ذكريات نسيم الماضي وعبق التاريخ ، نراهم في كل زاوية من زوايا البيوت القديمة وفي كل مكان مررنا معهم منه وفي الأراضي والأودية والشعاب التى جمعتنا بهم في سالف الأزمان ، وحنيننا لهم بعمق مياه البحار وبصفاء السماء وعلوها ورسوا الجبال وشموخها وبرحابة الصحراء وجمالها ولكن هذا الحنين يتبخر مع السراب على صفرة الرمال فلا يروي عطشًا ولا يبلل ريقًا ولا يشفي سقيمًا أعياه الفراق .
فرحمهم الله جميعًا وصبرًا ذلك السراج المنسي بين ذرات الثرى .
فهذا حال الدنيا ( دوام الحال من المحال ).
محمد بن سعيد أبوهتله