|

السمرة على ضوء السراج

الكاتب : الحدث 2022-08-29 09:48:51

عندما كتبت مقال عن (الثقة في غير محلها ) وكان من ضمن المقال موقف عن المسامرة نشرت المقال على عدد من الأصدقاء ومن ضمنهم الشيخ الفاضل عبدالرحمن الجوفان (حفظه الله ) تفاعل شيخنا مع المقال وأرسل لي جملًا جميلة عن المسامرة أنقل نصه حرفيًا (نعم السمرة على ضو السراج..

مع الأهل والأحباب أيام زمان سواءً أكانوا في بيوت شعر في الفلوات أم ببيوت طين في القرى ثم يقصرون للسراج وينامون أو يطفونه وإذا جاء سيل في الليل يتكبع الأب خيشةً أو بشت وبرٍ ويخرج والسراج بيد والمسحاة بيد
والسراج يتمرجح في يده كأنه جرَساً
لافارق بينه وبين الجرس إلا أن هذا يبعث ضوءاً وذلك يبعث صوتًا. يخرج الأب ليصرّف السيل بعيداً عن بيت زوجته وأطفاله في غبطة ونشاط وحماس ويعود وقد امتلأ جسده  من البرد  فأول مايفعل يطرح البشت والمسحاة والسراج وينصى الضو يتشعل عليها وهو يهمهم الله يجعلها أمطار خير علينا وعلى المسلمين) هنا إنتهى مقال شيخنا الفاضل .....
ومن المقال استشعر حنين شيخنا الفاضل إلى الماضي الجميل وجلوس الأسرة على سراج ضوءه ضعيف وخافت وقد إجتمعت وإقتربت قلوبهم قبل أجسادهم  التي تكاد تكون متلاصقةً أُلفةً ومحبةً ودفئًا ، مليئًا بالعطف والمودة ، تلك الأسرة الصغيرة التي تنصت إلى حديث  الأب الماتع فهو التلفاز وهو وسائل التواصل الأجتماعي في حينه وهو قناة الأخبار ، لأنه الوحيد الذي يذهب بعيدًا عن البيت في النهار ، فألام تعمل في البيت وقريبًا منه لدى ماشيتها ومزرعتهم القريبة من البيت وأبعد مدى تذهب له هو البئر لجلب المياه أو سقيا ماشيتهم ويساعدها في ذلك أبناءها وبناتها ، بينما الأب يذهب لجلب قوتهم من الأسواق الشعبية ويبحث عن الرزق هنا وهناك ولا يأتي البيت غالبًا إلا قبيل المغرب لتنتظره عائلته بكل شوق ، ويقبلون رأسه ويده عند الباب أولهم زوجته وأبناءه ليس خوفًا منه بقدر ماهو تقديرًا لجهده وتعبه لجلب لقمة العيش لهم في ذلك الزمان الشحيح الموارد . 

وهنا أستشعر إشارة شيخنا الجوفان إلى عظم  الأب ودوره في الحفاظ على أسرته  عندما أشار إلى مجيء السيل وخوف ذلك الأب العظيم على عائلته وإستشعاره بدور الحماية لهذه العائلة عندما كتب (ويتكعب الأب خيشة أو بشت وبر ويخرج والسراج بيده والمسحاة بيد...الخ) وهنا يتضح اشارة شيخنا إلى تضحية ذلك الأب العظيم بخروجه بالليل الماطر والبرد القارس وتحمله المتاعب والآلام مقابل الحفاظ على عش بيته ثم عودته وهو فرح مغتبط بأنه قد فعل ما يستطيع بصرف الخطر عن بيته وزوجته وأبناءه ، ويبدأ في تدفئة جسمه وعظامه التي ترتعد من البرد والغرق الذي بلل ملابسه وجسمه . وختم شيخنا كلماته بقوله (وهو يهمهم اللهم اجعلها أمطار خير وبركة ) وهنا استشعر ما خبنه شيخنا لغويًا وكأنه يتضمن ذلك الخبن اللغوي (قول الأب في سريرته الحمد لله زال خطر المطر والسيل عن عائلتي وأرتحت اللهم اجعلها أمطار خير وبركة )
وهنا أكاد أجزم أن كل من قرأ مقالي هذا قد تذكر والده وخصوصًا بالليالي الماطرة ومافعله والده من جهد لحماية بيته من خطر الأمطار والسيول وجميعهم يتذكرون آبائهم بكل شوق وحنين وقلوبهم تعتصر أدمعًا قبل أعينهم ، وجميعهم يقولون : رحمك الله يا أبي كم كنت عظيمًا وكم إشتقت لك ولمسامرتك وحديثك الشيق . اللهم ارحم أباءنا وأمهاتنا وأجزهم عنا خير الجزاء .

محمد بن سعيد أبوهتله