يا معشر المعلمين إن لم تفعلوا فمن سيفعل؟
من منا لم يسمع يومًا عن قصة وأكثر تهتز لها المشاعر وتنفطر منها القلوب وتذرف لها العيون دموعًا وألمًا لطلاب في مدارسنا يعيشون ظروفًا عائلية صعبة من فقر وعوز وحاجة تؤثر سلبًا على نفسياتهم وبناء عقولهم وتكوين شخصياتهم وتنعكس بالتأكيد على تحصيلهم العلمي، وتدخلهم في دوامة النظرية الاقتصادية (الحلقة المفرغة للفقر) التي تقول بأن انخفاض دخل الأسرة يؤدي إلى انخفاض مستوى التغذية وانخفاض المستوى الصحي وهو ما يؤدي إلى انخفاض الكفاءة الإنتاجية وبالتالي إلى انخفاض مستوى الدخل ومن ثم العودة إلى حيث بدأنا.
قصص كثيرة نقرأها ونسمع بها يرويها لنا معلمون أفاضل تدور أحداثها في أروقة مدارسنا أروي لكم عددًا يسيرًا جدًا منها:
معلم يقول: "أزعجني الاستئذان المتكرر لأحد الطلاب إذ يخرج من الصف ليعود بعد دقائق مما جعلني أشك في أمره وذات يوم رفضت خروجه فألح عليّ فسمحت له وخرجت اتبعه من دون أن يشعر بي، فذهب الطالب خلف الفصول وهنا بدأ الشك يكبر في نفسي فأسرعت خلفه وإذا بطالب آخر ينتظره خلف الصفوف وبعيدًا عن الأعين، وحين وقفت أمامهم وجدته يخلع حذاءه الرياضي ليعطيه ذلك الطالب ويأخذ منه حذاءه المهتري وحين سألتهم عن السبب سكتا ولم يجيبا وعندما ألحيت عليهما قال لي طالبي إن هذا أخي ولا نملك إلا حذاءً رياضيًا واحدًا ونتبادل إرتداءه إذا كان لدى أحدنا حصة رياضة".
ومعلم آخر يقول: "كنت منزعجًا من تكرار معانقة طالب لي بسبب وبدون سبب وكنت أتحدث مع أحد المعلمين عن هذا الانزعاج فما كان منه إلا أن أطرق برأسه متأثرًا وسرد لي حكاية هذا الطفل الذي لم أكن أعلم بحكايته لأنني حديث عهد بالمدرسة، فيقول: الطالب هذا فقد والديه قبل أشهر إثر حادثة مرورية فأصبح الطفل يتيم الأب والأم وكان عناقه المتكرر لك بسبب اشتياقه لوالديه".
ويروي معلم حكاية غريبة لأحد الطلاب قائلًا: “كنت مناوبًا في الفسحة وأتجول بين الطلاب فسمعت صراخًا ورأيت شجارًا بين طالبين وعلى الفور وصلت للطالبين وبعد حل المشكلة ومصالحتهما قررت أن أتحدث منفردًا مع الطالب الذي بدأ الشجار لمعرفة سبب عصبيته وبعد إلحاح علمت أن الطالب الآخر رفع ثوبه قليلًا وسألته لماذا كل هذا الانفعال فالموقف لا يستدعي كل هذا الغضب فأطرق برأسه وسكت، وحين ألحيت عليه بأن يجيبني رفع ثوبه ليريني ملابسه الداخلية التي كانت تخص أخته، وحين سألته عن سبب ارتدائه لها قال نحن فقراء وأبي مسجون وليس لديَّ ملابس داخلية إلا قليلة وكانت متسخة وخفت أن يرى الطلاب ملابس أختي فيضحكون عليَّ".
وقصة أخيرة تقصها مديرة مدرسة تقول: "أثناء تفتيش دوري تجريه إدارة المدرسة رفضت إحدى الطالبات تفتيش شنطتها أمام زميلاتها في الفصل فأخذتها لمكتبي وفتحنا شنطنتها بعد أن ظننا بها السوء فما وجدنا سوى باقي فطور الطالبات تجمعه وتأخذه إلى منزلها لتأكله هي واخوانها لأنهم فقراء".
وبعد سرد مثل هذه القصص الحقيقية التي يعاني منها أبناؤنا في مدارسنا وبين ظهرانينا، أوجه رسالتي ليس لوزير التعليم ولا إلى وزير الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية ولا إلى الجمعيات الخيرية، بل أوجهها لكم يا معشر المعلمين يا من تبنون أمجاد الأمم ومفتاح النجاة والنجاح لهذا الوطن وأبنائه ياورثة الأنبياء والرسل، أنتم من اعترف بفضلكم العلماء ونُظمت فيكم أبيات الشعراء فهذا شوقي يقول فيكم:
قم للمعلمِ وفه التبجيلا كاد المعلم أن يكون رسولًا
أعلمت أشرف أو أجلَّ من الذي يبني وينشئ أنفسًا وعقولًا
رسالتي لكم على وجه الخصوص: فتشوا وفقكم الله عن مثل هؤلاء الطلبة من فقراء وأيتام ومساكين وابحثوا في ظروفهم وأحوالهم وتلمسوا متطلباتهم واحتياجاتهم وازرعوا فيهم القيم والأخلاق الإسلامية السمحة التي تعينهم على مواجهة ظروفهم وفقرهم واصنعوا منهم رجالًا وأبطالًا حتى لا يكونوا ضحيةً لقسوة المجتمع ومن ثم يصبحون عالةً عليه، فإن لم تفعلوا ذلك فمن غيركم سيفعل، افعلوا ولا تنتظروا من أحد جزاءً ولا شكورًا.
قال ﷺ: "إن الله وملائكته وأھل السموات والأرض حتى النملة في جحرھا وحتى الحوت ليصلون على معلم الناس الخير".
قاتل الله الفقر لو كان رجلًا لقتلته، وحمانا الله وإياكم منه، وبالشكر والحمد تدوم النعم.
المستشار والكاتب:
محمد بن سعيد آل درمة
@mohammedaldermh