من سرق صحوة الآباء المباركة وشوهها
وبعدما خاض العالم والجاهل والصادق والكاذب عن ماهية الصحوة، وماذا يعني بها الكتاب والمتحدثين عندما يتناولون هذا المصطلح الحاضر الغائب السهل الممتنع، الصعب على فهم معناه وتحليل فحواه من البعض لا سيما أبناء العقدين الأخيرين.
بدايةً لا أنسى الاعتذار عن إيقاظي لنوم وسبات أتباع التنظيم الفكري الحزبي المدثور وإيلام عباراتي لمشاعرهم المختطفة، وهذه المقالة لا أستهدفهم بها فهم في وضع لا يحسدون عليه ويشفق عليهم القاصي والداني، بل أوجهها للبسطاء المتدينين صدقًا المعتقدين إيمانًا الظانين خطأً بأن الدين يحمل لوائه وينشر مبادئه ويدفع عن قيمه ثلة من الدعاة محفوظين منزهين مقدسين، إن تحدثوا فالإسلام في عز وخير وإن صمتوا فالدين في خطر وضير، وإن تجرأ أحد وانتقد فكرهم صنفوه كافرًا ملحدًا وعربيدًا.
وبعد هذه التوطئة أستعين بالله ولا أعجز إن شاء الله في طرح مباشر وشفاف لتبسيط مفهوم الصحوة لمن لا يدركه، فقد بدأت الصحوة بدعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله، بنشر التوحيد الخالص والتحذير من الشرك بسائر أنواعه، في فترة غلب على الناس الجهل بالدين في ظل حياة الفقر التي كانوا يعيشونها، وكانت دعوته وفق كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وضمن مذاهب الأئمة الأربعة، صدقه الناس ودعمته حكومة المملكة، فهو لم يأتي بشيء جديد في الدين، وما جاء به هو دين الوسطية والاعتدال التي أمر به الله، والسعوديون ومن يعيشون على أرض السعودية هم أناس في الأصل معتدلون بسبب المنهج المعتدل الذي تسير عليه المملكة منذُ تأسيسها.
ظلت دعوة عبدالوهاب على ذلك المنهج السليم حتى دخل أتباع جماعة الإخوان المسلمين المصرية إلى المملكة، فنشروا فكر التحزب وإقصاء الآخر والإرهاب والعنصرية والتبعية، خنقوا المجتمع بقيودهم وعوّقوا مسيرته وجهلوه، يتشددون في الدين تارةً ويتراخون تارةً أخرى يحرمون أمرًا ثم يعودون ويحللونه لكسب مزيد من التابعين حتى إذا حانت الساعة التي يحددها مرشدهم استخدموهم في ضرب أوطانهم والخروج على ولاة أمرهم، والتمكن من الحكم الهدف الأول الذي انشئت من أجله الجماعة.
وفي فترة معينة أدرك قادة الجماعة البون الشاسع بين منهجهم وبين المنهج السلفي الذي عليه سكان المملكة بعد دعوة محمد بن عبد الوهاب فكان لابد من أحداث التزاوج والدمج بين الدعوة السلفية والمنهج الإخواني حتى يتماهى فكرهم مع الفكر السائد، فخرج في القصيم شيخ سوري يدعى محمد سرور زين العابدين فأنشأ جماعة السرورية، وكان نشاطهم ينطلق تحت ستار الجمعيات الخيرية، فبدأوا بتسويق منهجهم، وصنعوا أدعياء صحوة لنشر منهجهم وتسويقه ونجحوا واستمروا في ذلك لأربعة عقود، والنتيجة كانت مؤلمة على النحو التالي:
- بروز جماعات وتيارات حزبية متفرقة هجروا العلم الشرعي والدعوة إلى الله من أجل الوصول للسلطة السياسية، تفرغت لهجاء بعضها البعض وتقاذف الشبهات فيما بينها البين أكثر من مقارعة التيارات اليسارية حتى أضحينا نلمس نجاح مشاريع التغريب وتفكيك لحمة المجتمع وسقوط كثير من قيمنا الإسلامية وعاداتنا القبلية ونسمع بملحدين في بلاد الحرمين الشريفين.
- صناعة دعاة ومشايخ فئة خمسة نجوم تم صنعهم وإبرازهم إعلاميًا بحرفية من قبل التنظيم، متلونين متقلبين مهادنين متذبذبين متوهمين أنهم الحاكمين بأمر الله، أغرتهم الشهرة والمال والنجومية للإنحراف عن أصول وقواعد دعوة صحاح الصحوة.
- جيل جديد ربي منذُ نعومة أفكاره في جماعات النشاط المدرسية على الانسياق والتبعية العمياء وإلغاء العقل وتقبيل الرؤوس.
- تصنيف الآخر إلى مسميات مقيتة ما أنزل الله بها من سلطان (إخواني، قطبي، سروري، جامي، ليبرالي، علماني) وهذه أشهرها وأدمجوا منها ما يحلو لكم، فيكون الحكم على قولك وفعلك وقبولك من عدمه بعد تصنيفك أولًا لا محال وهنا مربط الفرس، يقول تعالى: " إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعًا لست منهم في شيءٍ إنما أمرهم إلى الله ثم ينبئهم بما كانوا يفعلون".
الصحوة الحقيقية يا صحاح العقول هي كما عرفناها في بداياتها عندما كان أقصى تصنيفها "مطوع"، وقبل أن تختطف من جماعة السرورية، تحتضر اليوم ولم يعد من دعاتها الربانيين الصادقين إلا قلة قليلة ضعيفة مغمورة بلا إعلام أو دعم مالي أو معنوي.
ونحن اليوم في أشد الحاجة لصحوة جادة جديدة، صحوة على منهج أهل السنة والجماعة غير قابلة للتقسيم والتشرذم والتجاذب والتنافر تجمع جميع المسلمين وبالخصوص أبناء بلاد الحرمين الشريفين تحت راية واحدة وكلمة سواء واحدة في وجه الأعداء المتربصين المحيطين بنا من مشارق الأرض ومغاربها ومن جنوبها وشمالها، وليكن ذلك الآن قبل فوات الأوان ولنبدأ بأنفسنا، فعلى كل مواطن غيور على دينه محب لوطنه أن يتعهد مع نفسه بأن يجعل فكره فكر مسلم حر مستقل لا يتبع لأحد ولا يخضع لجماعة أو تيار أو حزب.
يقول تعالى: "واعتصموا بحبل الله جميعًا ولا تفرقوا واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانًا".
والله من وراء القصد.
المستشار والكاتب:
محمد سعيد آل درمة
@mohammedaldermh