|

الطلاق وانتشاره المفزع.

الكاتب : الحدث 2021-10-24 02:39:40

بقلم : عثمان الأهدل ..

صدق من قال :"وصل السيل الزبى"، فقد أصبح موضوع الطلاق أمرٌ لا يُستهان به، فقد زادت نسبته بأرقامٍ مخيفة تعدت حاجز الـ ٩٥٪؜ من نسبة الزيجات السنوية. فقد ذكرت وزارة العدل في تقريرها الإحصائي مؤخرًا أن العدد تجاوز الـ ٤ آلاف حالة في أحد الشهور، بينما ذكرت إحدى الباحثات متخصصة في المحاماة أن العدد تجاوز الـ ٥٦ الف حالة سنويًا، بغض النظر عن أيهما أصح، فكلا الرقمين حالة مقلقة للغاية. فالسؤال الذي يطرح نفسه؛ ما الذي أوصل الحالة لهذه الدرجة ؟ هل أصبح لفظ الطلاق أمرًا أسهل وأصبح اعتياديًا.

والغريب في الموضوع أن ظاهرة الاحتفال بالطلاق أصبحت مفخرة لبعض النسوة، ويُعد لها ولائم وحفلات مكلفة، وكأنهنّ خرجن من المعتقل. أين ذهب ما أخبرنا الله عنه "وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً”. الزواج ليس بالأمر السهل وخصوصًا على الفتاة التي تَهِبُ نفسها لرجلٍ بالكاد تَعرفهُ، وتترك من هم أقرب لها رُحمًا، ومن باب أولى أن الانفكاك عنه لا يكون بالأمر اليسير، بل هو لبنة الأمة وحاضنة رجالها، فإذا ما تم هدم هذا الرابط فإنه لن يكون لهذه الأمة لبنات تكفي لبقائها صامدةً.

ويكون الطلاق مسألة خطير جدًا عندما يتوج الزواج بأولاد، فيغدو مصيرهم في المجهول، تتلقفهم تجاذبات الحياة المتناقضة التي لا ترحم، فينشأ جيلٌ لا يعلم بهم غير الله، وقد يصبحون عبئًا على المجتمع وذنبًا لا يغتفر على الأبويين، الّلذين أعمتهما نزوة الشهوة وحب الذات دون التفكير في العواقب السلبية التي قد تحدث على الأبناء. 

فهل السبب في ذلك يعزو لقلة الوازع الديني لدى الطرفين، أم ذلك نتاج تراكمات من العادات والتقاليد التي تعطي للذكورة أكثر مما تستحق حتى غدا الزواج رِقّاً، وكردة فعل من ذلك زاد التحدي وزادت معه نسبة الطلاق. فالأمر شاءكٌ ومحيرٌ، ويجب أن يُدرس من عدّة زوايا. وفيما يبدو أن الفهم الخاطىء لموضوع القوامة يلعب دورًا هامًا في زيادة هوة الطلاق، ولا سيما بعد أن سُنت قوانين تحفظ حقوق المرأة أمام الوضع الجائر من بعض الأزواج، وهذا دليلٌ واضحٌ جليٌ من زيادة نسبة الخُلع عن الطلاق الاعتيادي.

فالمسؤولية لا تقع على الزوج وحده، بل الزوجة لها نصيبٌ من ذلك، ولاسيما عندما يتم الاختيار خارجًا عن الإطار الديني، يؤخذ فيه اعتبارات مرحلية تزول بزوال أهميتها، مثل الانبهار بالشكل والمال وعدم البحث عن خلفية الطرفين الاجتماعية والدينية، فسيد الأنام لم يقل من فراغ "تُنْكَحُ الْمَرْأَةُ لِأَرْبَعٍ : لِمَالِهَا، وَلِحَسَبِهَا، وَلِجَمَالِهَا، وَلِدِينِهَا، فَاظْفَرْ بِذَاتِ الدِّينِ تَرِبَتْ يَدَاكَ"، فحثنا على اختيار ذات الدين، وينطبق هذا الأمر على الرجل أيضًا. فالدين صمام الأمان ضد كل التجاذبات الحياتية المليئة بالتناقضات.

ويبدو أن الفهم الخاطىء من قبل النساء عن الحرية التي منحتها الدولة لهن مؤخرًا كان له الأثر البليغ، فاصبحت المقاهي تعج بهن وبنسبة أكبر من الرجال، وبقائهن فيها حتى منتصف الليل، حتى غدا الزواج لا معنى له ولم يعد سكنًا، وبالتالي تزيد الوحشة بين الزوجين، ويزيد العداء وتصبح الحياة معه مستحيل. ولاسيما الموظفات الآتي يقضين طوال فترة النهار في وظائفهن، وبالكاد يقمن بشؤون أبناءهن عدى ترتيب أغراض البيت، الذي يتوقع الرجل الشرقي أنه من واجباتهن. فالكنس والغسل هو نافلة وليس فرضًا، وإن قمن به فهو كرمٌ منهن.

فالموضوع ليس حديث المجالس ويزول، بل غدا من ضروريات الضروريات المؤرقة، أصبح مهمًا للغاية، وهو معقدٌ وبه حيثيات كثيرة لا يمكن حصرها، فلابد أن يؤخذ بعين الاعتبار ويوضع تحت مجهر البحث الدقيق لتحديد أهم عوامله، ومن ثم معالجته بطريقة تحد من انتشاره. فالطلاق شرٌ لابد منه وهذه فسحة منحها الشرع، ولكن ازدياده غدا موضوعًا خطيرًا قد يتكرر مع الأزواج أنفسهم، إذا ما أصبحت القضية عدم إدراك الغاية الأساسية من الزواج. فالزواج مسؤولية اجتماعية قبل أن تكون مسؤولية فردية، ولذا قامت الدولة مشكورةً بوضع شروط لإقامته، ومنها الفحص الطبي في توافق الزوجين صحيًا، وأضافت مؤخرًا فحص نسبة المخدرات في الدم. 

فتعاطي الكحول والمخدرات هو من أهم عوامل هدم الكيان الأسري، ولأهميته الخطيرة أقامت هيئات خاصة في كثيرٍ من الدول الغربية والإسلامية تساعد المجتمع على الإقلاع عنه، هذا إذا نظرنا إليه من جانبٍ اجتماعيٍ بحت، فما بال أن شريعتنا في الأصل تحرمه جملةً وتفصيلاً. خلاصة الكلام على الآباء الحرص عند الاختيار لأبنائهم من هم أصلح لهم من خلال البحث والتحري عن الزوجين من منطلق شرعي ديني بغض النظر عن النواحي المادية. فالمادة يمكن تحسينها وهي هبة الله يرزقها لمن يأخذ بالأسباب، أما الطبع هو تراكمات منذ الصغر شب عليه الشخص ومن الصعوبة أن يتم اصلاحه داخل العش الزوجي.

الحرية تُعطى لمن يعرف قيمتها ويُحرم منها عندما يُساء استغلالها، فكم من منظمة وهيئة وقعت في هذا الفخ وحُرمت من كل صلاحياتها عندما اساءت استخدام نفوذها الممنوحة، وأصبحت معول هدمٍ بدلًا من أن تكون أحد صمامات الأمان للمجتمع، وأخشى ما أخشاه أن الحرية التي أُعطيت للنساء قد يتم مراجعتها ويتم ما لم يكن في الحسبان، وحينها لا ينفعهن العض على أصابع الندم، فلذا عليهن أن يوازين في تصرفاتهن وأن يجعلن نصب أعينهن أن الأسرة هي الأهم وأن الحفاظ عليها لغاية سامية تساند في بناء الوطن من أولويات الأولويات، والله غالبٌ على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.