بين الفريضة والسنة… ميزان الأمانة الوظيفية
بقلم / فواز عمر بدري
خبير تربوي .. و مدير مدرسة ثانوية
في بيئة العمل، لا تُقاس الأمانة بمقدار ما تُنجز من مهام فحسب، بل تُقاس بصدق الالتزام بالزمن الذي أُنيط بك فيه أداء واجبك. فالدوام الوظيفي ليس مجرد حضور شكلي، بل هو عهد بينك وبين الجهة التي منحتك الثقة والراتب. ومن يترك مقر عمله في وقت الدوام لأداء أمور شخصية، ظانًّا أنه لم يضرّ أحدًا، فهو في الحقيقة قد أخَلَّ بأمانةٍ عظيمةٍ دون أن يشعر.
إن العمل الوظيفي عقدٌ بين طرفين: الموظف والدولة (أو المؤسسة).
الراتب الذي يُصرف شهريًّا هو مقابل الوقت والجهد معًا، وليس مقابل إنجاز مهمة واحدة فقط.
ولهذا، فإن مغادرة الموظف لمقر عمله أثناء الدوام لأمور شخصية تشبه من يؤدي السنة ويترك الفريضة؛ لأن الفريضة هنا هي أداء الواجب الوظيفي، والحضور في الوقت المحدد، والالتزام بساعات العمل التي استُؤجر عليها.
أما ما سواها من أعمال شخصية أو اجتماعية فهي “سنن” لا تُقدَّم على الفرض ولا تبرر التقصير فيه.
من الناحية الشرعية، قال النبي ﷺ:
“كلكم راعٍ وكلكم مسؤول عن رعيته.”
ومن تولى عملًا بأجر، فقد صار راعيًا في حدود مسؤوليته، لا يحل له أن يأخذ مالًا على وقتٍ لم يؤد فيه العمل المطلوب، لأن ذلك أكلٌ للمال بالباطل، كما قال الله تعالى:
“وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ…” (البقرة: 188).
أما من الناحية الإدارية، فالنظام الوظيفي في كل مؤسسة يربط الأجر بالزمن، ويعتبر الالتزام بالحضور والانصراف أحد أهم معايير الانضباط.
ولهذا، فإن الموظف الذي يتهاون بالخروج لأعماله الخاصة خلال الدوام، حتى وإن لم يتأثر العمل ظاهريًا، قد نقض جوهر الأمانة المهنية، لأن معيار الصدق لا يُقاس بما يراه الناس، بل بما يعلمه الله.
إن احترام الوقت جزء من احترام الذات، والانضباط في العمل صورة من صور الإخلاص لله قبل أن تكون التزامًا وظيفيًا.
فكما لا يُقبل من العابد أن يُكثر من النوافل وهو يضيع الفرائض، لا يُقبل من الموظف أن يُكثر من المبادرات خارج العمل وهو يُهمل التزامه الأساسي في داخله.
وفي الختام، يبقى الموظف الأمين هو من يدرك أن عمله عبادة إذا خلصت فيه النية، وأن كل دقيقة يقضيها في أداء واجبه ستُكتب له لا عليه.
فالأمانة ليست في إنجاز المعاملة فحسب، بل في صدق الحضور، وشرف الالتزام، ونقاء النية .
✅