|

"علاقة الكاتب مع المخرج تكاملٌ لا تنازع!"

الكاتب : الحدث 2025-01-09 05:49:19

 

أكابر الأحمدي 

يرى نفسه ككاتب أفضل من الوقوف على كواليس التصوير (وإن كان يحب كلا الدورين) .. له العديد من التجارب والكتابات المسرحية ، وشارك وأقام العديد من ورش الكتابة السينمائية، وراهن على نجاح الفيلم السعودي، وثأثيره على المشهد السينمائي العالمي ، هذا وتحدث عن الإخراج ودوره في تجربة المشاهد ، وأوضح أثر منصات الأفلام الرقمية في  إدارة عجلة الإنتاج ، والفرق بين الأفلام النخبوية الفنيّة والجماهيرية.. حوارنا اليوم مع الكاتب والمخرج السينمائي رائد كمال  .. 

- ما الفرق بين كتابة المحتوى الإبداعي والرقمي؟
لنعرف الفرق بينهما من المهم التركيز على هدف الكتابة في هذين النوعين - أو حتى غيرهما-  حيث ترتكز الكتابة الإبداعية، على الجانب الفني والجمالي بشكل كبير، فالهدف هنا هو التعبير عن الذات، أو وصف المشاعر، لإيصال أفكار أو مشاعر للمتلقي، ومن أنواع هذه الكتابة: الكتابة الأدبية، مثل: الروايات، والشعر، والنصوص الأدبية البلاغية، والقصص، والكتابة المسرحية، وسيناريو الأفلام كذلك، ويعتبر هذا النوع أكثر حريّةً وتنوّعاً من كتابة المحتوى الرقمي.

وأما كتابة المحتوى الرقمي، فهي في غالب الأمر تكون لأهداف تسويقية محددة وواضحة بدقّة، مثل كتابة الإعلانات، ومنشورات التواصل الاجتماعي التي تعزّز قيمة العلامة التجارية (البراند)، أو تهدف للتسويق لرفع المبيعات أو زيارة موقع، أو الاشتراك في الحساب أو الخدمة حيث تسمّى "دعوة لاتخاذ إجراء" أو Call to Action - CTA .

أو الكتابة لتحسين محركات البحث (SEO)، أو بغرض زيادة التفاعل على حسابات التواصل الاجتماعي ، وتكون في العادة ضمن شركات وكالات الإعلانات بعد التعاقد مع عميل أو جهة للترويج لهم، أو من خلال العمل الحر freelance.  


- أين تجد نفسك أكثر، أمام النص ككاتب أو خلف الكواليس كمخرج؟
من الممتع التفكير في سؤال كهذا، لأنني أستحضر التجارب السابقة في هذا السياق، ولكن من المهم على كاتب السيناريو أن يركّز على الكتابة (فقط) في وقت الكتابة حيث تعدّ الكتابة ضمن مرحلة (pre production) من مراحل إنتاج الأفلام وهي مرحلة قبلية، وليس من مسؤولية الكاتب التركيز على الجوانب الفنية التي هي من مهام المخرج مثل زوايا التصوير، أو طريقة تحريك الكاميرا، أو حتى تفاصيل وجزئيات الإضاءة الفنية... 

ولكن من المهم عدم إغفال أمر تُثبته التجربة والجوائز الفنّية بل وحتى ذائقة النقّاد (صعبة الإرضاء) وهو أن كثيراً من الأفلام الناجحة ذات الصدى الواسع والتجربة الفنية الكبيرة كانت من كتابة وإخراج الشخص ذاته (أو شارك في الكتابة أو التأليف) ومن أبرزها (عالمياً) والتي فاز بعضها بالعديد من أبرز الجوائز والإشادات الفنّية: 

‏Pulp Fiction (1994), Inglourious Basterds (2009)    by:  Quentin Tarantino
‏Inception (2010), Interstellar (2014)                        by:  Christopher Nolan
‏Lady Bird (2017),                                                     by: Greta Gerwig
‏Annie Hall (1977)                                                     by: Woody Allen
‏Seven Samurai (1954)                                             by: Akira Kurosawa
‏Heat (1995)                                                              by: Michael Mann

وأذكر قصّةً ذات ارتباط هنا، حيث التقينا بـ Michael Mann كاتب ومخرج فيلم (Heat (1995 في مهرجان البحر الأحمر السينمائي بنسخته الرابعة، وسرد لنا قصّة الفيلم وكيف استلهمها من قصة حقيقية أخبره بها محقق جنائي! والكثير من الأعمال العربية التي كتبها وأخرجها ذات الشخص وسأذكر منها على سبيل المثال: كفرناحوم (2018)، وهلأ لوين؟ (2011) - نادين لبكي، عرس الجليل (1987) - ميشيل خليفي، البحث عن منفذ لخروج السيد ، رامبو(2024) - خالد منصور

بل يغلب على الأعمال السعودية هذا النوع حيث المخرج هو نفسه الكاتب، أو شارك في الكتابة أو التأليف، ومن أبرزها: 
وجدة - هيفاء المنصور
شمس المعارف، أحلام العصر - فارس قدس 
ناقة - مشعل الجاسر 
بركة يقابل بركة، آخر سهرة في الطريق ر - محمود صبّاغ
السنيور -  أيمن خوجة 
مندوب الليل - علي الكلثمي 
سلمى وقمر - عهد كامل 
صيفي- وائل أبو منصور 
بسمة - فاطمة البنوي
ليل نهار - عبد العزيز المزيني 

وشخصياً أرى نفسي بين سطور السيناريو كاتباً بشكل أقوى مني مخرجاً، ولكن في عدة تجارب سابقة كنت الكاتب والمخرج لنفس الأعمال واستمتعت بكل لحظة فنية في الكتابة والإخراج وآمل أني أجدت، وهذه دعوة للتعاون مع مخرجين حيث آمل أن أرى نصوصي ونصوص كتّاب آخرين مع مخرجين غيرهم ليقدّموا نظرةً أخرى على النص ويضيفوا بُعداً وخبرةً فنيّة،  فعلاقة الكاتب والمخرج يجب أن تكون علاقة تكامل وتنوّع لا تنازع.


- شاركت في مشروع (فِنِك) الذي انطلق بدعم من الصندوق الثقافي كيف ترى دوره اكتشاف المواهب في أجواء تعليمية متقنة ؟.
نعم، حضرت بعض الورش في مجال الكتابة والكوميديا في فنك ، وكتبت وشاركت كذلك في العديد من "السكتشات" والمسرحيات (التي تجمع بين الكوميديا والدراما) التي عُرضت على مسرح فنك ومن أبرزها: مسرحية نجم خامل، مسرحية سرقة السرقة، سكتش تاكسي للأبد، وغيرها... 

وأتقدم بالشكر الجزيل للأستاذ ياسر بكر وطاقم عمل فنك الملهمين على هذه الفرصة، وحرصهم على اكتشاف وتنمية مواهب شابة من مملكتنا الغالية في مختلف المجالات الفنّية، مثل: الكتابة الفنية، كتابة وأداء الكوميديا (ستاند أب كوميدي)، الارتجال، التمثيل المسرحي، وغيرها الكثير... من خلال ورش تعليمية عملية وجو إيجابي آمن للتجربة وتشارك المعرفة... وآمل أن نرى الكثير من المحاضن الفنّية المتنوعة في مختلف ربوع المملكة فهي تعد سبباً مهماً في اكتشاف وتنمية المواهب الفنّية. 

- ما هي الحلول الكفيلة برأيك بعودة الدراما السعودية إلى جادّة الطّريق؟

نحتاج إلى الصبر فما زلنا في بداية الطريق والتجربة السينمائية السعودية ستتضح معالمها المُبشّرة بقصص فريدة وصادقة من وحي ثقافتنا وتراثنا وتنوّعنا في المملكة... ونحتاج أيضاً إلى اكتشاف وتنمية مواهب كتاب لديهم (قصص فريدة تستحق أن تُروى)، ومتقنون لأدوات وأساليب الكتابة الفنية وكتابة السيناريو...

ونصيحة لكل كاتب يجد نفسه موهوباً ولم يجد فرصته بعد، اجتهد في تعلّم وإتقان أدوات الكتابة والطريقة الصحيحة لكتابة الـscript واكتب، واكتب، واكتب ، فالجميع لديه أفكار مدهشة، لكن القليل من يتمكّن من الانضباط في كتابة هذه الأفكار، فالكتابة الفنّية هي فعل انضباطٍ لا هواية فحسب!

- ورش الكتابة السينمائية ... تدريب فني أم ظاهرة تجارية؟
أنشأت وشاركت في العديد من ورش الكتابة السينمائية ومن وجهة نظري أن كثيراً من هذه الورش يقدّم إضافةً حقيقيةً وتحفيزاً للكاتب، ولكن لا ينبغي على الكاتب الاعتماد عليها فحسب، لأنها لا تقدّم كل ما يحتاجه الكاتب من مهارات وأدوات كتابة وثقافة سينمائية، فالكتابة وتعلّمها (فعل ذاتي)، لكن مشاركتها مع كتّاب آخرين في ورش الكتابة يساعد على اكتشاف النص المكتوب خلال عيون الآخرين، وأحياناً الاستفادة من انطباعاتهم في تحسين النص أو في اكتشاف منظور آخر لن يراه الكاتب المنفرد وحيداً في نصّه أو في ملاحظة الواقع. 

ولا أرى أنها تمثّل ظاهرةً تجاريةً في أغلب ما وقفت عليه وشاركت فيه من ورش الكتابة، ومن أمثلة ذلك "رايترز هاوس" rightershouse في مدينة جدة ، حيث يقدمون ورش كتابة ودورات مجانية للطلاب في الجامعات وللمهتمّين بكتابة السيناريو والحبكة، ولكن من المهم جداً على الكاتب (المشارك في ورش الكتابة عموماً) تحديد أهدافه وتطلّعاته بدقة وهل هذه الورش ستحقق أو تساهم في تحقيق تلك الأهداف؟  

- تعيش الصناعة السينمائية في السعودية وقتًا ذهبيًا.. من هذا المنطلق كيف أثّر هذا الوقت الذهبي في خلق قوةٍ مرئية ناعمة، وما مدى نجاحها في إيصال واقع النقلة الحضارية والفكرية للمجتمع السعودي إلى العالم؟
الفنان السعودي متعطش للفن ولتقديم ثقافته وتراثه الوطني الحضاري لنفسه وللعالم، فنجد المسجد وخطبة الجمعة وشوارع الرياض ذات حضور قوي في "مندوب الليل" والناقة والصحراء كرمز عربي  والتحديات المجتمعية لحقبة زمنية في فيلم "ناقة" وسباقات الهجن في "هجّان" ، ومباني البلد في جدة والروح الحاضرة فيها وكورنيش جدة في كل من "رولم"، "بركة يقابل بركة"، "آخر سهرة في الطريق ر"، "سلمى وقمر"، وثقافة "الكباين" الشاطئية وسوق السمك "البنقلة" في جدة  في فيلم "بسمة"

و"الديرة" وثقافتها ولبسها الأصيل مع أحداث تاريخية ذات تأثير على المنطقة في "هوبال"، وأسواق الجوالات وبداية ظهور جوالات الكاميرا والبلوتوث وتباين الطبقات الاجتماعية والثقافية في جدة في فيلم  "الهامور"، كما نرى القرية والبداوة في "نورة"، والصراعات الثقافية  في الماضي ورمزية وقوة أشرطة الكاسيت في فيلم "صيفي"، ومدارسنا السعودية في كل من "شمس المعارف" و"جرس إنذار"، ورقصة المزمار الشعبية في شمس المعارف وأحلام العصر. 

ويمكن قياس تأثير الأفلام السعودية على المشهد السينمائي العالمي فعلى سبيل المثال حصل فيلم "جرس إنذار" على رابع أكثر الأفلام (غير الناطقة باللغة الإنجليزية)  متابعةً عبر منصة نتفلكس، كما حصل فيلم "نورة" على إشادة خاصة من لجنة التحكيم لجائزة «نظرة ما» في مهرجان كان السينمائي، وحصل فيلم "مندوب الليل" على جائزة «الوهر الذهبي» لأفضل فيلم عربي روائي طويل من مهرجان وهران الدولي للفيلم العربي، والجائزة الكبرى في مهرجان «آسيا وورلد فيلم فيستيڤال» المقام في لوس أنجلوس، وجائزة الجمهور لأفضل فيلم روائي طويل
‏VALDATA AWARD في مهرجان تورينو السينمائي الدولي، وفاز فيلم "بركة يقابل بركة" في جائزة لجنة التحكيم المسكونية في مهرجان برلين السينمائي الدولي لعام 2016، وغيرها من الأفلام السعودية التي حظيت بتقدير عالمي وساهمت في التعبير عن ثقافتنا أو جزء منها ونشره في المحافل السينمائية العالمية ومنصات عرض الأفلام...

وكل ما مضى على سبيل المثال لا الحصر بالطبع، حيث ساهمت هذه الأفلام وغيرها في نقل الثقافة السعودية المحلّية للعالم، ولكن قبل هذا للأجيال السعودية الأصغر سناً توثيقاً للازدهار في مختلف القطاعات وللنقلة الحضارية والثقافية للمملكة.

- إلى ماذا يحتاج العمل الفني الإبداعي ليكمل النموذج الفني المحلي، ويدعم تأثيره البانورامي على العالم متجاوزًا البقعة الجغرافية التي ينتمي إليها؟ 

أولاً وقبل كل شيء يجب أن يكون العمل أصيلاً (في فكرته وكتابته)، وصادقاً فليس من دور صانع الأفلام مواراة التحديات المجتمعية أو مساوئ النفس البشرية فلسنا في "جمهورية أفلاطون" "يوتوبيا" ، بل إن دور الأفلام، والأدب التعبير عن الواقع (وليس التملّص منه!) فبهذه وصل فيلم "عنكبوت مقدس" (الإيراني واقعاً وثقافةً ولغةً) نحو "العالمية" وترشح للعديد من الجوائز السينمائية الكبرى ونال بعضاً منها مثل: فوز الممثلة الإيرانية زهرا أمير إبراهيمي بجائزة أفضل ممثلة في  مهرجان كان السينمائي الدولي 2022: عن دورها في الفيلم، لتصبح أول إيرانية تحقق هذا التكريم في تاريخ المهرجان، كما حصل الفيلم على جائزة الحصان البرونزي لأفضل فيلم في مهرجان ستوكهولم السينمائي الدولي لعام 2022، وفاز المخرج علي عباسي بجائزة أفضل إخراج عن الفيلم في مهرجان فنتاستك.

فالفيلم كان معبراً عن "الثقافة الإيرانية المحلّية" فيه من خلال اللغة الفارسية، والمساجد في "مشهد" ، وعمائم رجال الدين، والسجاد الإيراني، وغيرها الكثير من مظاهر الثقافة المحلّية للفيلم، وأيضاً كان فيلماً صادقاً تناول موضوعاً حساساً من مساوئ النفس البشرية وطرحه بصدق ووضوح وشفافية فنية عالية! 

فالوصول لبُعدٍ وتأثيرٍ عالمي يجب أن يكون من خلال "الثقافة المحليّة" فالعالم ليس بحاجة إلى المزيد من النسخ الهوليوودية المكررة! بل لفهم ومتابعة ثقافات محلّية متنوّعة وفريدة. 


- متى سنرى في دور عرض السينما المحلية أفلامًا نخبوية ثقافية لا جماهيرية؟
عالمياً هناك ما يعرف بدور "السينما الفنّية" حيث تعرض أفلاماً نخبويةً فنيةً لا تجارية، مما يسهم في إثراء الحركة الفنيّة للسينما وتعزيز وبثّ روح النقد السينمائي وتحفيز صنّاع الأفلام على استثمار مواهبهم وطاقاتهم في هذا النوع من الأفلام، وعلى الصعيد المحلّي في المملكة العربية السعودية تم افتتاح أول سينما فنّية في الرياض وهي "بيت السينما" في أكتوبر 2024، بالإضافة إلى العديد من مهرجانات الأفلام والسينما في المملكة حيث تعرض كذلك أفلاماً فنّيةً ضمن جدول العرض ومن هذه "مهرجان أفلام السعودية" و"مهرجان البحر الأحمر السينمائي" ، كما نطمح لافتتاح المزيد من دور السينما الفنية حول المملكة لتكون رافداً سينمائياً فنياً وتعزّز من ثقافة السينما الفنّية في المملكة. 

- ما الدور الذي يلعبه المخرج في تصميم تجربة المشاهد؟
يلعب المخرج الدور الأكبر في تصميم تجربة المشاهد لإيصال الأفكار والمشاعر للمشاهدين بشكل أسهل وأصدق فهو يمثّل "المايسترو" للعمل الفني أو "قائد الأوركسترا" وذلك من خلال العديد من الأدوار والمسؤوليات أبرزها:
توجيه الرؤية الفنية للعمل، وتنسيق أداء الممثلين وطاقم العمل، ومراعاة إيقاع وزمن الفيلم، والحفاظ على تناسق جميع العناصر والمكونات في صناعة الأفلام، كالإضاءات والموسيقى التصويرية، والمؤثرات البصرية مثل 
‏"VFX"و"GFX" وغيرها... لذا يعدّ المخرج صاحب الفيلم الأول وصاحب الرؤية الفنية التي تنعكس على تجربة المشاهد بكامل تفاصيلها، سواءً في مرحلة ما قبل الإنتاج "Pre-Production"، أو الإنتاج "Production"، أو ما بعد الإنتاج "Post-Production"، أو حتى في مرحلة التوزيع والتسويق "Distribution and Marketing"


- كيف ترى عصر السينما الرقمية؟
لا أحب أن أعطي الأمر توتراً إضافياً حيث يعتقد البعض أن منصات البث الرقمية قتلت روح السينما والفن! 
ولكن شخصياً أرى أنها مجرّد وسائل للعرض سهّلت الوصول للأفلام وصناعتها وتمويلها وساهمت في إدارة العجلة وصناعة عدد كبير من الأفلام (الأصلية ) أو ما يُعرف بـ "Orginals"  مثل منصة "نتفليكس"و"أبل تي في"و"اتش بي أو"و"ديزني" و"شاهد" وغيرها من المنصات التي تُنتج سنوياً أفلاماً ومسلسلاتٍ تجاريةً وفنيةً ممتعة،  لذا أرى أن الأمر لا يستحق كل هذا "الاحتقان" والتوتر بين المنصات والسينما، فالمنصات لم تُلغِ دور السينما بل وفّرت بُعداً وفرصاً جديدةً للإبداع... وإن كنت شخصياً أفضّل مشاهدة الأفلام في السينما لما تقدّمه من (تجربة) فنيّة متكاملة