الحضور الرقمي وصناعة الأثر
بقلم خليل القريبي
مستشار إعلامي
انطلقنا إلى بداية عام جديد، ومن الطبيعي أن يبرز سؤال جوهري يتجاوز الصخب الرقمي: كيف يتشكل حضورك حين تعبِّر، وكيف يُقرأ أثرك حين تصمت؟ فالحضور الرقمي اليوم بمثابة مساحة معرفة ومسؤولية، وفيه تتكون الصورة المهنية عبر تراكم الأفكار، واتساق الرسائل، وصدق التفاعل، حيث صناعة الأثر الرقمي تنطلق من وعي الذات قبل أي تخطيط للنشر، وتبدأ حين تحدد ما تمثله، وما تضيفه، وما القيم التي ترغب أن تُعرَف بها. هذا الوعي يمنح المحتوى عُمقًا، ويجعل كل مشاركة امتدادًا طبيعيًا لمسارك الفكري والمهني، وحين يكون الهدف واضحًا ، يتحول الحضور من نشاط متقطع إلى ممارسة مستمرة ذات معنى. وفي العالم الرقمي، تتكون الثقة عبر الزمن، من خلال فكرة تكتبها اليوم، قراءة تشاركها، تجربة توثقها، جميعها تشكل نقاطًا صغيرة تتصل بخيط واحد، هذا الخيط هو الاتساق في اللغة، وفي الموقف، وفي احترام عقل المتلقي، ومع الاتساق، ينمو الأثر بهدوء، ويتحول الحضور إلى مرجع يُحتفى به.
العام الجديد فرصة لمراجعة العلاقة مع المنصات الرقمية، وفرصة للانتقال من ردود الفعل السريعة إلى التفكير المتأني، ومن النشر بدافع الحضور إلى المشاركة بدافع الإضافة، وعندما يصبح المحتوى انعكاسًا لتجربة حقيقية، تتغير طريقة التلقي، ويتحول التفاعل إلى حوار، والحوار إلى تأثير ممتد. وقد تمر فترات يهدأ فيها الصَدَى، ويغيب الشعور بالنتيجة، وهنا تتجلّى قيمة الصبر المهني، والأثر العميق يعمل بصمت، ويتراكم في الوعي الجمعي، ثم يعود في توقيت مناسب على هيئة ثقة، أو فرصة تعاون، أو تقدير مهني مستحق.
في الختام أقول: إن الحضور الرقمي مسؤولية معرفية قبل أي توصيف آخر، وهو سجل مفتوح لما تفكر به، وما تؤمن به، وما تضيفه للنقاش العام. ومع كل عام جديد، تتجدد الفرصة لصناعة أثر هادئ، راسخ، ومبني على قناعة بأن القيمة الحقيقية تجد طريقها، وإن طال الزمن.