|

"خيال الموج" للقاصة والناقدة التونسية هيام الفرشيشي

الكاتب : الحدث 2021-07-12 02:09:58

هدى الهرمي، كاتبة تونسية 

عن دار الثقافية للطباعة والنشر صدرت المجموعة القصصية "خيال الموج"، للقاصة والناقدة التونسية هيام الفرشيشي، وتضم بين دفتيها تسع قصص قصيرة متنوعة في مضامينها، ذات معان تنهض على طروحات مقتبسة من الحياة ومتشظية في لوحات تغوص في غياهب التجريد والواقع.

ويستوقفنا ملمح مهم في تفضيلها لعنصر حيوي في أغلب قصصها، حيث يطغى البحر على مجمل الأماكن الضاجة بصياغة نص سردي متحيز للحركة، خاصة في ظل غلبة الموج الكفيل بأحداث كسر الصمت، وفي موضع ثان تم توظيفه كشكل غير ثابت لتتكأ على الدلالة المركزية لهذا العنصر الطبيعي، مما جعل اغلب قصصها متحيزة لبيئتها، كانفعالات تشكيلية معززة بظلال نورانية تارة، واخرى قاتمة تارة اخرى، يتبعها مغزاها الأبعد بين الخير والشر، وصياغة نصوص متباينة في مضامينها ومكتنزة بلغة سلسة مع انسيابية في الوصف، مرورا بعتبات الدهشة والحيز السحري من الاستكشاف كركيزة للخيال.

ويعد عنوان المجموعة، أول عتبة تأويل لمضونها، عبر الكشف لقيمته الفنية على مستوى جملة النصوص المنضوية تحته، وقد استأثرت القصة الاولى "خيال الموج" بالعنوان، فكان بمثابة بوصلة في تجوالنا داخل هذا الكون المخيالي للقاصة.

في هذا السياق يقول امبرتو ايكو " ان العوالم التخييلية هي بالتأكيد طفيليات داخل العالم الواقعي، إلا انها تضع جانبا مجموعة من الأشياء نعرفها عن هذا العالم لكي يسمح لنا بالانغماس في عالم منته ومغلق شبيه بعالمنا ولكن افقر منه".

اما في قصة "طائر السماء"، تستحضر القاصة الاسطورة القديمة عن "طيور تعشش وتعيش في السماء ولاتموت" كمعطى انثروبولوجي تضمنه بلوحة تشكيلية وتشيعه بألوان منحدرة من الحلم، دون تململ عن سيرة البحر وايقاعه المتخبط في السرد، اذ يبرز جليا من خلال هذا المقطع " في ذلك البرج الأثري المتصدع وجدنا فريقا مختصا في دراسة الآثار يتقدمهم استاذ فرنسي وهو يتحدث عن تاريخ نشأته وعن تصميمه وعن أسباب بنائه في هذا المكان المرتفع قبالة البحر" ص 16.

لقد فرضت ذاكرة المكان ذات الصلة بالتاريخ واوكلتها مهمة جوهرية في صياغة نصها السردي بلغة مكثفة وشاعرية احيانا. كما ابتكرت لكنة متجذرة من الذات المتفرسة في خرائط الكون ومطباته بين الماضي والحاضر. انها المفارقة التي تتبناها القاصة بين مؤثرات ذاتية ووقائع متولدة من  الظواهر الاجتماعية والسياسية، دون ان تغيب الخصائص المتلازمة للقصة وتحقيق شرطها الفني بين الوحدة وتكثيف الاحداث، بشحنة الثنائيات المتشابكة بين الاطروحات الأساسية وواقع الحياة، ورؤية العالم من منظور مختلف.

كما تتكئ النصوص على ضمير الراوي العليم اغلب الوقت و الاصوات المجسدة لمكنونات العالم السردي من شخصيات ولغة زمن القصة، ورصد خطاب تفاعلي مع الموروث الثقافي وتضمين بعض المقاطع مثل "يا عيني نوحي ويا غلالة رني" ص86، في قصة "اهازيج ناي جنائزي".

ولا تفلت الاسطورة من قبضتها من خلال قصة " غافية على ركبة الزمن" لتسبغ عنصر التشويق على الاحداث وتثير الأسئلة في هدأة "الفج" ورؤيتها المزدوجة لصراع ايديولوجي بكل أطواره الفكرية المأزومة بين السقوط والضياع.

ثم يتراءى لنا هاجس الكتابة في قصتها "كوابيس مبقعة بماء المطر" في حضرة الترميز والفعل التخيلي، بينما نتعقب روح المكان المأهول بمؤثرات الطبيعة كالمطر والموج والغابة، لكنها لا تنأى عن خلق نسق مكابر في تحويل الوحدة والتخبط بين الذات والوجود، كمقتضيات لمرحلة الابداع "يتساءل الرجل المهوس بمراودة الأسرار الخفية، أنظر اليه ببرود، وهو يعود لجهاز" الأيباد" منشغلا بالكتابة..."ص 45.

ومن قصة الى اخرى تنفتح المقاطع السردية على دلالات متعددة، لتفضي بنا الى قدرة القاصة على تجاوز الكتابة النمطية، بل تدفعنا الى الانغماس في عوالمها الفسيحة واستجلاء كوابيسها وكائناتها الغريبة المنحدرة من الخيال والعوالم السحرية، مثل الخفاش، حيث قذفت به في قصة " اثر الخفاش" وحكاية "رافاييل يسرد قصة قديمة"، بعد ان غفت صورته بين صفحات الماضي البعيد كمصاص للدماء مع دمامته. لكن روحه الشريرة عادت بقوة في مدينة وهان الصينية، لينتقم من الأذى البشري، وتحديدا من صخب المدن وشراستها.

في خضم كل هذا تشير الى طقوس الكتابة بعلامات نصية مثل الآتي : "كنت ابحث عن فضاء لقصة جديدة. ولم آت لهذه المدينة النائمة الا باحثة عن سرّ غامض" ص 66.

ثمة رمزيّة متشابكة مع السرد، في نص ومضيّ يشي بعدة تساؤلات ويومئ الى امتداد الرؤى الوجودية للقاصة، والمتمركزة حول الإنسان عبر بيئته المفتوحة، ومٌطعّمة بحسّ ثائر، تجلّى في سياقات ضاجّة بالمشاهد، ومتفاوتة في اقتناص فضاءات غامضة وملغمة باشارات عديدة، تقودنا الى الحفر في مغاور السرد، كضرب من المسايرة للواقع وامعان في معالجات درامية مناهضة لتشوهات المجتمع.


السيرة الذاتية للكاتبة: 
كاتبة وشاعرة وقاصة تونسية وباحثة في الأدب. نشرت نصوص ومقالات في الفكر والأدب في عدة صحف و مجلات محلية و عربية و مواقع إلكترونية. اضافة الى مشاركات في أمسيات شعرية و ملتقيات ادبية.  عضوة برابطة الكاتبات التونسيات و بحركة شعراء العالم. في رصيدي مجموعة شعرية بعنوان "ظلال الأجنحة" سنة2018، و مجموعة قصصية قيد النشر بعنوان " عميان المنطقة المحظورة"، كما ترجمت لي نصوص باللغة الفرنسية والكردية والاسبانية.