من غرر بخيرة شبابنا
بقلم المستشار: محمد بن سعيد آل درمة
حقًا من غرر بخيرة شبابنا وأوصل الكثير منهم للسجون في قضايا أمن دولة؟ ومن اختطف عقولهم؟ وكيف نجحت الجماعات والتيارات الفكرية الحزبية في صناعة التبعية العمياء والتابعين الأوفياء لها؟ آمل أن تتسع صدوركم لمقالتي وفحواها وفهم مقصدها ومغزاها، أوجهها في المقام الأول للمعلمين وفي المقام الثاني لكل ولي أمر طالب يحمل على عاتقه هم تربية وتعليم أبنائه وليس مجرد توفير لقمة العيش لهم، غايتي منها حفظ من بقي من أبناء وطني العزيز خارج السجون وخارج التجنيد الإجباري لتلك الجماعات المتأسلمة ظاهريًا، رغم أن سجون بلادنا مكان تأديب وتأهيل وإصلاح، وتنشئة جيل وسطي يتمتع بالفكر السليم البعيد عن التشدد والغلو والتبعية العمياء، إلا أن السجون تبقى سجون! وأيضًا لحفظ بقية الأبناء من ركوب موجة التغريب والانفلات والانحدار الأخلاقي، وقد أحسنت صنعًا وزارة التعليم وكما يقال أن تصل متأخرًا خير من أن لا تصل أبدًا في إصدار الدليل التنظيمي للجنة التوعية الفكرية (حصانة) وتعميمه على جميع مدارس المملكة تحذر فيه من تيارات فكرية تهدد الأمن الفكري للطلاب والطالبات.
وأنا هنا أؤكد على أهمية تفعيل ومتابعة برامج وأعمال لجنة التوعية الفكرية دائمًا وأبدًا في المدارس وتحقيق أهدافها حتى لا يقع أولادنا فلذات أكبادنا في حبائل تلك الجماعات والتيارات الفكرية الدخيلة على عقيدة ومنهج مجتمعنا القائم على كتاب الله وسنة نبيه، وحتى لا يدفع أبناؤنا ثمنًا باهظًا باعتناقهم أفكارًا تحزبية متلونة متغيرة، ودافع حرصي هذا نبع بعد رصدي تغلغل عدد من تلك التيارات الفكرية في أروقة مدارسنا في مرحلة سابقة ولا يزال أثرها باقٍ على البعض حتى اليوم، ولا أخفيكم سرًا إن قلت أنه لم تكن تخلو مدرسة واحدة منها وتحت مسميات موحدة في جميع مدارس المرحلتين المتوسطة والثانوية (جماعة التوعية الإسلامية وجماعة الثقافة الإسلامية) وفي الجامعات بمسميات أخرى مثل (الجوالة) وخلافها، وأنا هنا لا أهاجمها ولا أجرمها ففيها بعض الخير ويقوم عليها عدد من المعلمين الخيرين المخطوفين فكريًا منذُ زمن بعيد، ولكن مما ألحظه عليها هو صناعتها جيل يهوى التبعية الفكرية وتسليم عقله وقلبه وهواه للغير، وتتم الصناعة على النحو الدرامي التالي وبدايةً ولكي تنجح الصناعة نجاحًا باهرًا وتحقق أهدافها وتنتشر السلعة في السوق بسرعة وثبات فهي تبدأ في الغالب بالعمل على مادة خام وهي "الطفل المراهق" ومنذ نعومة أفكاره ليضمن القادة ثبات ودوام الولاء والتبعية دون تبدل أو تحول مع الأيام ولو تخرج في أعتى الجامعات وحصل على أعلى الشهادات وجمع عدد سنين من الخبرات وتقلد أعلى المناصب في الوزارات والشركات فسيبقى مخلصًا تابعًا داعمًا لتلك التيارات الفكرية المنحرفة، هكذا ياسادة تتم صناعة الغباء والتبعية العمياء الدينية والسياسية والاجتماعية والثقافية، هذا هو الواقع المرير حتى لو بدوت قاسيًا فهي الحقيقة المرة وليس مجرد رأي خاص تحملوها وافهموها! من قال أن زمن الجاهلية والتبعية أنتهى فقد جانب الصواب! لننظر حولنا وسنرى الكثير منا يعيش بعقول جاهلة على أجهزة حديثة!
التأسلم السياسي الذي نشرته حركة حزبية أيديولوجية على مدى عقود لإيهام الناس بأنه هو دين الإسلام الحقيقي لبلوغ أهداف وتحقيق أجندات سياسية دنيوية بعيدة كل البعد عن الدين، وللأسف نجحوا في اختطاف عقول وفكر خيرة أبناء بلدي وشبابها وقاموا بتلويث عقولهم وتوظيف تدينهم وحماسهم لخدمة سياسات جماعتهم! فأين هم اليوم ولماذا هم صامتون؟ هل صمت تراجع وخجل بعد كشف حقيقة جماعتهم وقادتها؟ أم ما زالوا على أفكار حزبهم ماضون وفي وحلهم منغمسون وبعودتهم يتوهمون؟ يقول سبحانه: "وإذا قيل لهم لا تفسدوا في الأرض قالوا إنما نحن مصلحون ألا أنهم هم المفسدون ولكن لا يشعرون".
من أسوأ أصناف البشر الذين قابلتهم في الحياة، من قرأ القليل في الدين أو استمع لشريط إسلامي وتأثر، فقصر الثوب وأطال اللحية وتجنب لبس العقال وظن بذلك أنه أصبح داعية لا يشق له غبار، فأخذ يصنف البشر ويفتي في علوم شرعية ليس بمتخصص بها ولا يفقه فيها إلا ما يُلقنه مشايخ جماعته الحزبية دون فهم عميق بما يلقن، مثل هؤلاء مؤدلجو العقل مختطفو الفكر مسلوبو الإرادة، لا رأي يطلب منهم ولا عدل ينتظر منهم ولا حكم يقبل منهم، فمعظم آرائهم متطرفة، يقول تعالى: "قل هل ننبئكم بالأخسرين أعمالاً الذين ظل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعًا"، ومن المؤكد أن ليس كل ملتحٍ متدين ولا كل حليقٍ عاصٍ، فقرار إطلاق اللحية من عدمه قد يعتمد في الأساس على أسباب شخصية أو اجتماعية ولا علاقة له بالهدي النبوي لا من قريب أو بعيد، وكم من ملتحي فاجر منافق وكم من حليق صالح صادق، اقول هذا بناءً على تجارب شخصية سلبية، منها المالية والاجتماعية بسبب ما كنت أعتقده بأن كل ملتحي جدير بالثقة العمياء، وما دعاني لقول ذلك ما ألحظه على قلة من البسطاء الأنقياء الذين ما زالوا بذات حسن الظن القديم، مع حبي وتقديري لكل ملتحي صادق مؤمن تقي، فأنا منهم وهم مني ولم أحب وأصادق في حياتي سواهم.
أما الحوار مع العقول المختطفة المؤدلجة منذُ الصغر المملؤة بالشبهات والأوهام الموجهة والمسيرة عن بعد ففيه هدرٌ للوقت وأشبه بالضغط على رأس قارورة عطر فارغة مهما اجتهدت في ضغطه لن يظهر عطر، لذلك الأجدى لحاضر ومستقبل الأمة فضح أوهامهم وتقنين أدوارهم وإفشال أهدافهم بعد أن ثبت بالتجربة والدليل إنحراف فكرهم وضلال منهجهم، فلم يطعن الوطن في خاصرته ويزعزع دينه ويبعثر قيمه ويغير سلوكه كما فعل الحركيون إِبان سعيهم نحو المال والنجومية والشهرة ولا يزالون غير مبالين بعادات وتقاليد مجتمع متدين بالفطرة، متقلبين بين فتاوى تحليل وتحريم وفقه تقية وفكر ممنهج يتغير وفق الزمان والمكان ومصالح الجماعة وأهدافها حتى تاه الناس وفقدوا الثقة بهم فتنازلوا عن مبادئهم وقيمهم!
والله من وراء القصد.