اليوم هُمّ .. ونحنُ غدًا
د / سلمان الغريبي
اعلموا أحبتي بأن بعضًا من الوالدين تتغير طباعهم ، وتضيق صدورهم وخواطرهم ، وتتشكل عندهم حساسية مُفرطة من كل شيء بفعل تقدم السن ، والأمراض المتتابعة والهموم والشعور بضعف الصحة والوهن ووحشة الحياة والتفكير ، العميق بقرب الأجل .. فتجده تارةً هادي المزاج ، وتارةً عصبي المزاج يهذي بكلام لا صحة فيه لجذب الانتباه إليه .. -فرفقًا بهما -، ورب العزة والجلال أمر ببرّ الابن لوالديه مهما بدر منهما والصبر ، عليهما لكبر سنهما ، والدخول في مرحلة تقلبات المزاج مع تقدم العمر ، وأورد ذلك الأمر في القرآن الكريم في سورة الإسراء لأهميّته عند الله سبحانه وتعالى في قوله : ( وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلَّا تَعۡبُدُوٓاْ إِلَّآ إِيَّاهُ وَبِٱلۡوَٰلِدَيۡنِ إِحۡسَٰنًاۚ إِمَّا يَبۡلُغَنَّ عِندَكَ ٱلۡكِبَرَ أَحَدُهُمَآ أَوۡ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُل لَّهُمَآ أُفّٖ وَلَا تَنۡهَرۡهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوۡلٗا كَرِيمٗا ¤ وَٱخۡفِضۡ لَهُمَا جَنَاحَ ٱلذُّلِّ مِنَ ٱلرَّحۡمَةِ وَقُل رَّبِّ ٱرۡحَمۡهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرٗا ) .. فالآباء أو الأمهات أحياناً يتّصفون ببعض صفات القسوة والجفاف دون قصد منهم ، ولكنه تفكير بعهدٍ مضى عليهم ؛ ممّا يوجد فجوةً بينهم وبين أبنائهم ، وقد يصل الأمر أحيانًا لتسلّط الآباء والأمهات ، وظلمهم لأبنائهم دون قصد منهم ، ولكنه تفريغ لما في نفوسهم من خوف بأنهم وصلوا لمرحلة من النسيان لمن حولهم ، وخصوصاً الأبناء والبنات و الأحفاد .. وهنا تكون أجور الأبناء مضاعفةً في برّهم لآبائهم إذا تعرّضوا لشيءٍ من أنواع الظلم أو القسوة في الكلام شريطة الخضوع لهما بالقول الليّن الهين اللطيف دون تأفف أو مجادلتهم في النقاش .. فالصبر على هذا النوع يقابله الكثير من الأجر والثواب من الله سبحانه وتعالى .. فأصبروا عليهم ولا تعاتبوهم وتردوا عليهم إلا بالحسنى ، وبروحٍ مرحة طيبة هينة لينة .. وصابروا معهم ولا تهجروهم وأحسنوا إليهم ما استطعتم إلى ذلك سبيلا .. فاليوم هُم ، وغدًا نحن سنصل إلى ما وصلوا له ، ونحتاج لكل ذلك فكما تُدين تُدان .. فالعمر أحبتي لحظات سريع الخطوات وسينتهي علينا وعليهم ، ولايبقى لنا سوى ذكرانا و ذكراهم وضحكاتهم وكلماتهم العفوية مهما كانت قاسية ، ولايقصدون بها شيئًا مع تقدم العُمر في كل زاوية من زوايا البيت الكبير الذي عشنا فيه جميعًا .. فاللهم اغفر لنا ولهم وارحمنا ، وعافنا واعفُ عنا أجمعين ، واغفر لآبائنا وأمهاتنا وارحمهم كما ربونا صغارًا ، وتعبوا علينا وسهروا على راحتنا وإسعادنا و تربيتنا ، والمحافظة علينا من تقلبات الزمن وهفواته .