مزاح أم تصفية حسابات ؟
بقلم ــ فاطمة محمد مبارك
الإنسان كائن اجتماعي بطبعه بحاجة إلى لتواصل والتفاعل مع أفراد مجتمعه بشكل مستمر ، فالتفاعل الاجتماعي عملية تواصل واتصال بين شخصان أو أكثر بشكل متاغم تجاه بعضهم البعض، ومايلي ذلك من ردود فعل واستجابة .
والمزاح يعتبر نوع من أنواع التفاعل الاجتماعي الذي يتطلب مهارة ، وفهم عميق لطبيعة العلاقات بين الأفراد ، إذ يمكن لدعابة مشتركة أن تعزز الألفة والترابط ، بتعبير لطيف يخفف من الأحزان ، ويهدف إلى التسلية والضحك ، دون نية إيذاء ، متضمنًا موضوعات خفيفة وغير حساسة.
ولكن من زاوية أخرى نلاحظ البعض قد يستخدم المزاح كوسيلة للتعبير عن مشاعر سلبية ، أو لتصفية الحسابات ، أو قد يكون له دوافع خفية تكن سبب في تفكيك العلاقات بشكل تدريجي ، وإثارة النزعات ، ويكمن الخطر في كونها توغر الصدور ، وتولد الكراهية والأحقاد ، وتفرق وحدة المجتمعات ، وهذا مادعانا إلى تسليط الضوء على ضرورة الوعي بمخاطر مثل هذا النوع من المزاح ، واحترام الحدود الشخصية للآخرين.
وفي أثناء هذا الحديث لنقف لحظات ونتساءل هل فكرنا يومًا إذا كان المزاح الذى نتداوله مؤذي ؟ هل تعرض أحدنا للسخرية المؤذية من قبل؟ هل نحن على دراية بالخط الفاصل بين المزاح اللطيف وتصفية الحسابات ؟
وحتى تتضح الرؤية حول صور المزاح السمج ، نجد هذا الأهوج الطائش يمازح الآخرين ، ويركز على نقاط الضعف لديهم مما يشعرهم بعدم الراحة والقلق والانزعاج ، كالتحدث بشكل ساخر حول المظهر ، الوزن ، الشكل ، أو استخدام تعليقات غير لائقة حول أفراد عائلة الشخص، مثل : السخرية من والدته ، أو والده، أو التهكم على وضعه المادي؛ مما يؤدي إلى تأجج مشاعر الغضب والكراهية. وإن البعض يلجأ إلى الصمت والانزواء ، أو مغادرة المكان ، والبعض الآخر قد يكيل له الوزن بالمثل ، بالطبع .. فمثل هذه التعديات لها تأثيرها على تقديرالذات ، والشعور بالدونية ، وكلها بالتأكيد مؤشرات على الأذية .
ومن ذلك أيضا ماانتشر في الآونة الأخيرة من مقالب خبرية تتمثل في نقل أخبار كاذبة ، أو مفجعة لصديق ، أو أسرة، أو ترويج خبر كاذب تخص شخصًا بعينه، و ما ينتج عنه من هلع وخوف وألم ، وحالات من الهستيريا ، والتسبب في صدمات نفسية، وأضرار صحية ، والأشنع من ذلك مقاطع الفيديوهات المنتشرة على مواقع التواصل الاجتماعي لمقالب ثقيلة وبشعة حيث تجاوزت الحدود المقبولة، وأصبحت مهددة لصحة الأشخاص وأمنهم وحريتهم .
لذا وجب تجريم هذه الاعتداء ، واعتبار أي فعل من شأنه تعريض حياة الغير للخطر، مفضيًا للتجريم ، وملزمًا للعقوبة على مرتكب هذا السلوك الخطر ، ولو لم ينتج عنه ضرر، فالمعاقبة بهدف توفير الحماية للغير محاولة للردع المسبق ، وبالتالي إرساء سياسة رادعة لكل إهمال يعرض الغير للخطر.
وأخيرًا .. من المهم أن نكون واعين لتأثير المزاح على الآخرين ، ولنتذكر أن هناك خط فاصل بين المزاح الخفيف والسخرية اللاذعة المؤذية يبدو فيها المزاح كأنه مجرد دعابة، لكنه في الحقيقة يحمل إهانة مقنعة ، أو تصفية حسابات تختبئ وراء عبارة " كنت أمزح معك !!" .