|

رحيلٌ في آب

الكاتب : الحدث 2024-09-06 03:45:48

 

نايف العجلاني

في شهر آب الماضي، وقعت عليّ يد الفقد، لتأخذ مني أغلى الأحباب، فقدت والدي رحمه الله، الذي كان سندي وأماني طوال حياتي. يوم السابع من آب لم يكن يومًا عاديًا، بل كان اليوم الذي غيّر حياتي إلى الأبد. رحل عنا وترك فراغًا في قلبي لا يمكن لأي شيء أن يسده، فقد كان أول فقد تعيشه أسرتي، وهو فقد الوالد، منبع الحنان والدعم.

لطالما كنت أظن أن تقدم العمر بالإنسان يمنحه الصلابة والقدرة على مواجهة أصعب المواقف، ولكن في تلك اللحظة أدركت أن الإنسان، مهما بلغ من العمر عتيّا، يظل طفلًا أمام حقيقة الفقد، خاصة عندما يتعلق الأمر بفقدان أحد الوالدين. الفقد يُعيدنا إلى مشاعرنا الأولى، تلك التي لا يمكن للكلمات أن تعبّر عنها، ويدفعنا لنعيش تلك اللحظات بألم وجرحٌ لا يندمل.

إنه موقف لا يمكن نسيانه، فكلما مرت الأيام، تبقى صورة والدي حاضرة أمامي. رغم مرور شهر على دفنه، لم يفارقني الشوق إليه، شعورٌ لم أتوقعه من قبل. كنا نعرف آب بحرارة صيفه اللاهب، لكنني اكتشفت يا آب أن تركت حرارة الفقد التي كانت أشد وأقسى من حرارة صيفك اللاهب. في تلك اللحظات، تدرك أن حرارة القلب ووجعه تفوق حرارة الطقس، وتفهم أن الفراق يولّد لهيبًا لا تُطفئه مرور الأيام. بالرغم من ان والدي كان يعاني المرض واصابه الوهن بآخر ايامه، وكان موته متوقعًا في أي لحظة مما أوهمنا كأسرة أن موته الذي سوف يكون راحةً له بإذن الله ورحيله عنّا سيمنحنا تقبل فراقه  بأعصاب متماسكة، لكن الموت هو الموت، الفراق موجع ولكن كلنا ايمان واماني ان نلتقي به في اعلى الجِنان ذات يوم.

إن رحيل والدي الحبيب، اشبهه بنارٍ لا تطفئها اللحظات السعيدة او تعاقب الايام وطول الزمان.لكنني.

رغم ما أشعر به من ألم الفقد، إلا أنني لست جازعًا، إنّ الإيمان بالقضاء والقدر يُخفف من وطأة المصيبة، وليس هناك مصيبة أعظم من مصيبة الموت، ولكن لا مانع أن نعبّر عن حزننا وفرحنا، فالمشاعر الإنسانية تتجاوز حدود الكلمات. نحن كبشر نحتاج إلى أن نسمح لأنفسنا بالحزن، ونحتاج أن نفصح عن تلك المشاعر المكبوتة في القلب.

ختامًا، أود أن أوجه نصيحة لكل من لا يزال لديه والد أو والدة على قيد الحياة: لا تَدَع الحياة وإنغماسك في مشاغلها تُلهيك عن قضاء الوقت معهم. تلك اللحظات الصغيرة التي تُهديها لوالديك تعني لهم أكثر مما تتخيل. بعد رحيلهم، ستتمنى أن تعود إليك تلك اللحظات مهما بدت بسيطة في حينها. لا تنتظروا حتى يكون الوقت قد فات. فالحياة زائلة، وما يبقى في النهاية هو ذكرياتكم مع أحبائكم.

وأختم بخاطرة كتبتها بعد وفاة والدي:

“سابع اغسطس ودعناك بقلب مكسور
سبعة ايام مرت والقلب بالحزن مغمور
لو البكى يرد اموات اغرقت ثيابي دموع
والله لطلتك اشتقت يا عساك مرحوم
اضحك وبالقلب غصة وبالعين دموع
الله يقدرني واكون داعي لك بكل سجود”

رحم الله والدي، وأطال في عمر والدتي الحبيبة، وأسأل الله أن يحفظ لكم أحباءكم.