محمد ربيع الغامدي : الفرق بين القصة و المسرح ، القصة سرد والمسرح دراما
بقلم : نوره بابعير
الكتابة وليدة الإبداع البشري في أعماق الفكر نحو وصف الحياة ، تنقّل الكاتب بين الواقع و المخيلة ثم تتألق بالنصوص و السردية المتوازنة في سرد قصصها كذلك الكاتب و الباحث محمد ربيع الغامدي تمتع بالكتابة القصصية و المسارح والموروث الشعبي كما إنه تميز باختيار العناوين في كل إعماله الأدبية ، نال الكثير من الجوائز بنجاح أعماله المسرحية تعمق بالمعرفة الثقافية فاصبح لديه مكتب فيَ الاستشارات التربوية .
-الكتابة قصة تجمل النصّ بعلاقة الكاتب تجاه قصته ، لكل لأبد هناك بداية سواءً في المهنة أو الوعي أو الكتابة الإبداعية، هل هناك عوامل صنعت من محمد ربيع الغامدي قصة في صفحات الكتابة ؟
لست على بينة من أني بالفعل قصة في صفحات الكتابة، لكني متأكد أنني أقرأ وأكتب وأنشر. أقرا منتفعا، وأكتب مستمتعا، وأنشر زهوا. هل هذا يكفي لأن أكون قصة في صفحات الكتابة؟ إن كان هذا يكفي فإن وراء تلك القصة عوامل كثيرة منها إيلاف القراءة منذ مراحل مبكرة، ذلك الإيلاف الذي تحول إلى علاقة حميمة تشدني إلى كل حبر على ورق. يتوازى ذلك مع حبي لحياة الناس وشغفي بتملي كل دقيق وكل جليل فيها، إن لم يتيسر ذلك في عرض الشارع تحولت إلى النافذة، فإن تعذرت النافذة نظرت من ثقب المفتاح.
-التأثير يأتيك من منطلق الأهمية في الشيء، هل تتذكر كيف أول كتابة لك؟ وهل كانت هناك أسباب دفعتك لها؟
كتاباتي الأولى كان يحركها الشوق دائما، والكتابات الأولى هي كتابات مبكرة جدا. كتبت أبياتا أتحرق فيها شوقا إلى أقراني في الطائف، حيث لم يكن السفر متاحا في أي لحظة كما هو اليوم. ومنذ لحظة التقائي بأقران الطائف يبدأ تشوقي إلى أقران الباحة. ولهؤلاء الذين تركتهم خلفي هناك كنت أدون دهشتي في الطائف المختلف كليا عن الباحة، قارنت ذات مرة بين زفّة الماء والسقّاء الذي يحملها على كتفه(في الطايف) وبين قربة الماء وأمهاتنا اللاتي يحملنها من آبار الماء(في الباحة). ومن المضحك أن تلك الرسائل التي أتفنن في كتابتها لا أرسلها في حينها، بل أحملها معي إذا سافرت فأقرأها لهم بنفسي.
-يكتب الكاتب القصة ثم يبقى هو جزأ من القصة، من خلال كتابتك للقصص، ماذا أضافت لك؟ وعلى ماذا كنت تعتمد على الواقع أو المخيلة؟
النص الذي أكتبه (في السرد أو في الدراما) يمكث على سطح مكتبي حينا من الدهر، وطيلة هذا الحين، هو في مخيّلتي أيضا، معي ينام ومعي يصحو، يأكل ويشرب ويتنفس، يغضب ويرضى ويحزن ويفرح ويغزو مناماتي بصور وأشكال شتّى.
وقد أضافت لي قصصي مزيدا من تفهم الحياة وتقبل ما يضطرم فيها. ما أمام الوجوه وما وراء الأقنعة، ما فوق الصبر وما دون الجزع.
أما الواقع والمخيّلة فهما مثل درفتي باب، افتراقهما فيه منفعة واجتماعهما فيه منفعة والعبرة بمن معه مفاتيح الباب الذي يدرك متى يباعد بينهما ومتى يلاقي بينهما.
-الأماكن تسرد القصص، هل الأماكن لها دور في اختلاق نصوص محمد ربيع الغامدي؟
الأماكن لا تأتي متى شاءت، الأماكن تُستدعى لتتمم جمالا أراده الكاتب، تُستدعى لأن واقعا ما يشبه تلك الأماكن. الأماكن والأعلام والأزمنة قد تكون موتيفا يأخذ بوعي المتلقي نحو أدق رهانات القصة، لكن القصة ليست أطلسا جغرافيا ولن تكون كتابا في علم نقد الرجال. بينما المكان الذي ينجح في حمل رهانات النص يصبح جغرافيا جميلة مثل ما أصبح كليمنجارو جمالا على خريطة تنزانيا.
-المؤلفات تعلن للنص إبداع كاتبها ، تحدث عن مؤلفاتك.
لا شك أن المؤلفات ثمار يدركها أهل الصنعة، والكتاب إذا صدر فهو مثل الأربعين التي إذا بلغها الآدمي قال ربِّ أوزعني أن أشكر نعمتك علي. لقد قلتها ستة عشر مرّة، مع كل كتاب يصلني من المطبعة. كانت مجموعة المفازة أول كتبي وهي مجموعة قصصية صدرت في عام 1406، ثم أصدرت كتابا عن مفردات الموروث الشعبي بإيعاز من إمارة الباحة للمشاركة في جنادرية عام 1409وأصدرت في العام الذي يليه كتاب الزراعة التقليدية في منطقة الباحة. ثم توقفت ربع قرن هي فترة إقامتي في جدة، تمنيت حينها أن أكون مليونيرا، لكن الملايين "تدل دربها" فعدت إلى بدروم أبي في الباحة حفيانا ولله الحمد، وعدت أيضا إلى التأليف حيث صدر لي كتاب ذاكرة الفواجع المنسية في عام 1433 وبعد اعتذار مسؤول النشر في نادي الباحة الأدبي عن طباعته، تطوعت خميسية الموكلي في صبيا بمنطقة جازان فطبعته مشكورة. ثم توالت كتبي بعد ذلك: مجموعة البرطأونات عن نادي جازان، مجموعة الثوب الحنبصي عن نادي الرياض، ومجموعة ثديها الذي، ومجموعة خان الخياطين، ومجموعة النملة والسكر، ومجموعة ألف ثيمة وثيمة، ومجموعة الفاتحون، على نفقتي الخاصة، ثم مجموعة رجل تدركه الأبصار، ومجموعة التنور، ومجموعة منازلات الإمبراطور الأعمى، ومجموعة الرقص في الحلكة وهو في المسرح، وكتاب تقييد أوابد السخرية في التراث الشعبي، وكلها عن طريق دار نشر امتلكتها حينا ثم تخليت عنها منذ أكثر من عام.
كيف تبدأ في كتابة قصة جديدة عن الأخرى ؟
كل مراحل كتابتي للقصة هي طوع يدي عدا أول المراحل، وهي العثور على فكرة، هذه مرحلة تأتي متى شاءت، تشبه اليعسوب في عالم النحل، إذا عثرت به فاقبض عليه، يأتيك النحل مثل سحابة ماطرة. إذا جاءت الفكرة فإني أقوم بتدوينها فورا مهما كانت الظرف، ثم أتركها على سطح مكتبي إلى أن يعتدل المزاج وتروق الغزالة فيولد النص في صورته الأولى، وهكذا مراجعة بعد مراجعة وقراءة جانبية بعد قراءة إلى أن يستقيم النص على عوده.
-ثمرة الإنسان في علمه، وأنت آهلًا للعلم، كنت معلمًا في التدريس و معلمًا بما حققت من مجموعة قصص، تحدث عن العلم في ثقافة محمد ربيع الغامدي من الناحيتين، مجالك في التعليم و الثقافة؟
عندما أنهيت يومي الدراسي الأول واستقبلتني أمي استقبال الأبطال تعزز حب المدرسة في نفسي فتعلقت بها وبما فيها، ولقد هيأ الله لي معلمين أكفاء طيلة سنيّ الدراسة ولن أنسى الأستاذ علي الهيمطي الزهراني معلم اللغة العربية الذي وضعني برفق على سكّة الخيال.
كانت المكتبات المدرسية حافلة بالكتب وخاصة القصص، وخاصة مجموعات كامل كيلاني، وكان في جامعة أم القرى(كانت يومها جامعة الملك عبد العزيز- شطر مكة) مكتبة عظيمة تراءت لي على شكل برج عملاق فيه ألاف النوافذ تطل على عوالم مختلفة وتختلف كثيرا عما تطل عليه نوافذ منزلي.
وعندما عملت في التعليم كنت معلما للتاريخ والجغرافيا ورائدا للنشاط المدرسي الذي سحرني فيه المسرح، والمسرح دائما هو شيخ الثقافة وأبو الفنون، ولذلك وجدت نفسي مشرفا للفنون المسرحية في تعليم الباحة، وحتى بعد انتقالي لمدينة جدة أخذتني الظروف الى النشاط الثقافي وهو مظلة وارفة للنشاط المسرحي.
تراوحت اهتماماتي الشخصية بين المسرح، والموروثات الشعبية، والتاريخ المحلي للباحة وجغرافيتها المثيرة، فتكون عندي على هامش هذه الاهتمامات مكتبة منزلية عامرة هي عالمي الرحب.
-الإبداع مجال واسع، يجعل الإنسان منشغلًا به من زاوية التفكير النير و التنفيذ القيم، أتقنت الكتابة و المسرح و التراث الشعبي، تحدث عن تجاربك نحوهما؟
في الكتابة كتبت للمقالة وللقصة وللمسرح وللتمثيلية الإذاعية عبر البرنامج التمثيلي مواقف الذي ظلت إذاعة البرنامج الثاني تبثه لسنوات، وفي المسرح كنت في البداية منحازا للمسرح المدرسي لكن عندما رأيت حاجة الناس للترفيه (لم يكن هناك في الباحة بث تلفزيوني، وحتى الإذاعة لم تكن متاحة للجميع، والصحف اليومية تصل متأخرة في العادة) ولذلك انتقلت إلى مسرح يجمع بين مقاصد التعليم وبين حاجات الترفيه، ووجدت في نادي السراة داعما لي فكان لنا عرض سنوي يجتمع حوله الناس بحب عجيب.
أما التراث الشعبي فكانت انطلاقتي معه عبر محاضرة كلفني بها تعليم الباحة لتكون ضمن محاضرات دورة أقيمت لصقل مشرفي التربية المسرحية في المنطقة في عام 1398 وقد وضعتني تلك المحاضرة عند إعدادها) على آفاق أكثر اتساعا لفهم التراث الشعبي وعناصره وآليات حفظه وآليات تنفيذه على خشبة المسرح، ومن تلك المحاضرة انطلقت فكرة جمع الحكايات والأساطير فانطلقت بجهاز التسجيل بحثا عن أفواه عتيقة ماتزال الحكايات حية على شفاهها.
-الثقافة تحتاج إلى وعيًا تؤهل لشخصها الإدراك التام بما يقدمه، بين القصة و المسرح نص وتمثيل؟ ماذا تحتاج القصة و ماذا يحتاج المسرح حتّى يصبحان متكاملًا؟
يحتاجان كاتبا يفهم الفرق بين القصة والمسرحية فهما عميقا، فالقصة سرد، والمسرحية دراما. السرد يعني أن هناك راوٍ يحكي قائلا: أخذ محمد التفاحة وأكلها. والدراما تعني الفعل أن تكتب مشهدا وفيه محمد يأكل التفاحة على خشبة المسرح. القصة تقوم على الحكي، بينما تقوم المسرحية على الحوار، في القصة هناك من يتحدث واصفا فعل البطل، بينما في المسرحية يقوم البطل بفعله على خشبة المسرح.
-بين السهل و الصعب مسألة واعي تفسح لشخصها فرص المحاولة و النجاح، ماهي الصعوبات التي يواجهها المسرح؟ وهل هناك مواقف حدثت لك من خلال تجربتك في عالم المسارح؟
صعوبات المسرح تكمن في ندرة جود الممثل القدير، وفي الحاجة إلى الإدارة التي يهمها الجمهور كما تهمها الجوائز، ما أكثر الأعمال التي تحصد الجوائز العالمية وهي بها جديرة، لكن الجمهور لا يعلم عنها شيئا. أما أنا فقد توقف نشاطي الميداني منذ سنوات والمواقف التي واجهتها هي مواقف تتعلق بزمانها، أما علاقتي الحالية بالمسرح فهي تقتصر على متعة الكتابة، وقد حظي نصي "مفاتن الأجربة" بتقدير لجنة التحكيم في هيئة المسرح والفنون الأدائية خلال العام الماضي، كما صدر لي في نفس الفترة كتاب "الرقص في الحُلكة" ويحوي ثلاثة نصوص من نصوص المونودراما، وجار تهيئة دفعة ثانية من نصوصي للطباعة والنشر.
-تم تكريمك على عدة أعمال لك، التكريم هو علّامة بارزة تخبرنا بتمييز إنجازاتك في مجال الثقافة سواءً في كتابة القصة القصيرة أو على خشبة المسارح أو اهتمامك في التراث الشعبي؟
نلت تكريما غالبًا في إمارة عجمان بالإمارات العربية المتحدة على تحقيق المركز الأول في جائزة الشيخ راشد في مجال القصة القصيرة، ونلت تكريما في عاصمة المحبة الرياض على تحقيق المركز الثالث في مسابقة هيئة المسرح والفنون الأدائية في ميدان الكتابة المسرحية. أما في الباحة فقد نلت أكثر من تكريم كان آخرها ضمن تكريم رموز الباحة الذي نظمت له أمانة الباحة ورعاه سمو أميرها وكنت واحدا من ستة شملهم التكريم: الدكتور معجب الزهراني، المذيعة الكبيرة مريم الغامدي، المذيع الكبير حامد الغامدي، الدكتور محمد القدادي، والشاعر حسن الزهراني والفقير إلى الله.
-التراث بطبعهُ قصصي، كل ما ينسب للتراث يسرد لحكايات لا حد لها، تحدث عن اهتمامك بالتراث الشعبي ومتى بدأت في هذا المجال؟
البدايات المبكرة كانت في أواخر المرحلة الثانوية وبدايات المرحلة الجامعية، وكانت تعتمد على جمع الأمثال الشعبية يشاركني في ذلك الصديق سعد حمدان الغامدي(الأستاذ الدكتور حاليا) غير أن مشرعنا قد توقف بعد حين لأسباب تخص طريقتنا في جمع الأمثال. أما البداية القوية الجادة التي قذفت بي نحو أتون الموروث الشعبي فقد كانت بعد محاضرة كلفني بها تعليم الباحة لتكون ضمن محاضرات دورة أقيمت لصقل مشرفي التربية المسرحية في المنطقة في عام 1398 وقد وضعتني تلك المحاضرة (عند إعدادها) على آفاق أكثر اتساعا لفهم التراث الشعبي وعناصره وآليات حفظه، وتعرفت خلالها على مراجع رئيسة في دراسة الفن الشعبي وسافرت لجمع كثير منها وضمها لمكتبتي الخاصة. كما تفتقت تلك المحاضرة عن عشرات المحاضرات في سنوات لاحقة عنيت بالموروث الشعبي، وكتبا أربعة في المجال نفسه وعددا من القصص والمسرحيات التي وسمها الموروث الشعبي بميسمه.
-المعرفة فلسفة قائمة على وعي شخصها، تطرقت للاستشارات التربوية، لابد هناك سبب اثار في محمد ربيع الغامدي الميول والإصرار في ذلك المسار؟
الاستشارات التربوية تمتد إلى جوانب تربوية كثيرة يمكن لمكتب الاستشارات أن يخدم بها التربية والمهتمين بها، ومنها جانب النشاط الطلابي وبخاصة المسرح المدرسي. أعد المكتب خطة لمساعدة المدارس في تنفيذ مسرح مدرسي بطلاب المدرسة نفسها وبالنصوص التي تتوفر لديهم، نلتزم نحن بالتنفيذ ويعتمد على الإخراج بكل عناصره. وللأسف يبدو أن فكرتنا جاءت في غير وقتها ولو تأخرت حتى اليوم لنجحت.
-الباحث يجد متعته في الوصول إلى معرفته، تحدث عن اهتمامك بالمجال الجغرافي، وهل علم الجغرافيا لها دور في صقل الكتابة؟
الجغرافيا هو العلم الذي تخصصت فيه في الجامعة ومارست تعليمه بعد التخرج، والجغرافيا من بين أقرب العلوم الإنسانية إلى النفس التواقة إلى المعرفة الباحثة عن آفاق واسعة ومتعددة. الجغرافيا تصقل العقل وتدربه على البحث والاطلاع والتأمل، والمعرفة والآفاق الواسعة والبحث والاطلاع والتأمل جميعها محاضن حميمة للكاتب والكتابة.