ثقافة المجتمع بين ضرورة المواكبة وخطورة الجمود
أحمد بني قيس
@ahmedbanigais
ممّا تعلمناه من صيرورة الحياة أنها متغيرة ومتجددة ولا تركن على وضع محدد والأهم على طبيعة ثقافة بعينها ما يجعل التفاعل مع هذه المتغيرات والتعامل الإيجابي معها ضرورة تُمليها علينا أهمية مواكبتها لأن التقوقع على الذات وتبني سياسة الانعزال والجمود أثبتت مجرياتها أنها من أكثر العوامل المؤدية للتخلف والتراجع الفكري والعلمي والثقافي والحضاري.
ويؤكد هذه الحقيقة ما تمكنت بعض الثقافات من تحقيقه عندما أدركت ضرورة التفاعل الإيجابي مع أي مستجدات تطرأ عليها وعدم الهرب منها أو التخوف من تأثيرها الأمر الذي جعلها تنمو وتتطور وتزدهر في حين أن الكثير من المجتمعات التي توجست خيفة من تلك المستجدات وتهربت منها أصبحت بإتّباع هكذا سياسة أبرز عنوان ونموذج للتخلف.
وهذا التناول لا يعني بأي حال من الأحوال أن على الثقافات المختلفة التخلي عن ثوابتها ومسلّماتها بقدر ما يعني ضرورة توظيف تلك المجتمعات لكل ما يثبت نفعه فكرياً وحضارياً دون أن يُصادم ذلك التوظيف مرتكزات تلك الثقافات والأسس الأيديولوجية التي تقوم عليها.
وعوداً على بدء فإن الوسيلة الوحيدة لحثّ المجتمعات المختلفة على الترحيب بالمستجدات التي أثبتت جدواها تكمن في اقتناعها بحقيقة أن الثابت الوحيد في هذه الحياة الذي لا ينبغي أن يقع أي خلاف حوله هو "ثابت التغير" فالتغير سمة من سماتها ويتضح ذلك في جميع مظاهرها وأحوالها وبما أننا جزء مكين من أجزاء هذه الحياة فسيطالنا كبشر ما طال غيرنا من مكونات حياتنا وإن أختلفت وتباينت في الأشكال والصور لأن عدم الاعتراف بذلك يُعتبر السبب الرئيسي وراء عدم تقبل التغيير الذي نتعرض له كبشر أياً كان نوعه وعدم منحه فرصة الدراسة والتمحيص قبل رفضه وتحريمه.
ونحن كسعوديين عشنا مثل هذه الظاهرة محور الحديث في الكثير من الجوانب والنواحي التي تؤكد مجرياتها حقيقة ذلك ولولا أن الله حبانا قيادة تميزت كافة تعاملاتها وتفاعلاتها مع مختلف المستجدات التي ثبت نفعها بالإيجابية والترحيب لكُنّا الآن في حالٍ يُرثى له حيث أثبت سلوك وبُعد نظر هذه القيادة أنها كانت ولازالت تسبق مجتمعها بخطوة إن لم يكن خطوات في الكثير من قراراتها وسياستها المتعلقة بتبني وتفعيل الكثير من المتغيرات التي لا يتعارض تطبيقها مع قيمنا وثوابتنا وعاداتنا "القويمة منها" التي لو تأمل فيها الكثير من المعارضين لها ودرسوها بذهن منفتح قبل الحكم عليها لما عارضوها.
وأختم أخيراً بالعودة لما أشرت إليه أعلاه عن "ثابت التغير" في الحياة وكيف أن الإيمان به والاقتناع بوجوده وأنه سنّة كونية وحياتية يجب علينا التسليم بها، سيُسهّل علينا تبني أي تغيير إذا ثبتت جدواه وعدم معارضته لكل ما نبني عليه سلوكنا وقناعاتنا التي تتوافق فعلياً مع ثوابتنا الحقيقية ولا تناهضها أمّا إذا تجنبنا ذلك فإن التخلف حتماً سيكون مصيرنا والتراجع سيكون مآلنا.