|

الأقارب .. ونكران الجميل

الكاتب : الحدث 2023-03-04 05:22:03

د/ سلمان الغريبي
-----------------------


نكران الجميل عند اهل العلم والمعرفة هو : ألا يعترف الإنسان بلسانه بما يقرُّ به قلبه من المعروف والصنائع الجميلة التي أُسديَت إليه فينكر ولايعترف بل ويكذب ويزور قصص واهية لا اصل لها وينبش في الماضي وهو غير صادق لغرضٍ سيء في نفسه الأمارة بالسوء وخصوصاً عندما يأتيك نكران الجميل من أقرب الناس إليك .. وقد دعا ديننا الحنيف إلى الإقرار بالجميل وتوجيه الشكر لِمَن أسداه إلينا حتى تسود العلاقات الطيبة في المجتمع بل أُمِرنا بالدعاء له حتى يعلم أننا قد كافأناه .. فعن عبدالله بن عمر قال - رضي الله عنهما قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم : ((مَنِ اسْتَعَاذَ بِاللهِ فَأعِيذُوهُ وَمَنْ سَأَلَ بِاللهِ فأَعْطُوهُ، وَمَنْ دَعَاكُمْ فَأَجِيبُوهُ، وَمَنْ صَنَعَ إلَيْكُمْ مَعْرُوفًا فَكَافِئُوهُ، فَإنْ لَمْ تَجِدُوا ما تُكَافِئُونَهُ بِهِ، فَادْعُوا لَهُ حَتَّى تَرَوْا أَنَّكُمْ قَد كَافَأْتُمُوهُ)) صدق رسول الله عليه افضل الصلاة  السلام .. حديث صحيح رواه أبو داود والنسائي بأسانيد الصحيحين .. فليسأل المسلم نفسه سؤالاً بكل امانة وإخلاص : هل هو فعلاً من الذين يردون الفضل لأهله ويجازون الإحسان بالإحسان ويكافئون أهل المعروف ولا ينكرونه ..؟! أم هو من الذين يُحسن الناس إليهم فلا يقابلون الإحسان إلا بالنكران والجحود .. فترى بعض هؤلاء الأقارب يرتشفون من مشاعرك لمصالحهم فقط ويَرْتَوُون من فيضها الصافي النقي و أنت في غفلة عما يدور في نفوسهم وعلى جهل تام بما تحمله صدورهم المريضة من غل وحقد لا يُظهِرون منه شيئا ابتغاء إنتهاء مصالحهم ونيل مكاسبهم منك واستغلال تام لطيبة قلبك التي يرونها مجرد طيبة وحسن نيةٍ منك لا أقل ولا أكثر ... متجاهلين حجم الأسى الذي سوف يسببونه لك في سبيل إرضاء غرورهم وإقناع شخصياتهم النرجسية المريضة بأن لا أحد يعلو عليهم من بني البشر وان جميلك ومعروفك لاقيمة له وأن كل شيء كان في متناول أيديهم وهم كاذبون ولولا الله ثم خدماتك ما وصلوا إلى ما وصلوا إليه .. ولكن عندما يشبعون وتتزايد ارصدتهم فجأةً ومع أول اختلاف معهم تراهم قد كشروا عن أنيابهم وتجردوا من أقنعتهم ليكشفوا عن معدنهم الخبيث بعدما أرهقتهم كثرة البروفات والمشاهد التمثيلية .. فينطلقوا نحوك بكل ما أوتوا من قوة وخبث مهاجمين حتى تكاد ألسنتهم تنفث حمماً وقذائف كذباً وزوراً وبهتاناً نحوك وانت غير مصدق مايحصل منهم ... وكأنك لم تفعل لهم شيئاً .. في محاولة منهم للنيل منك والثأر لأهدافهم الشريرة ومعتقداتهم الواهية الكاذبةوهمزات شياطين أنفسهم الأمارة بالسوء حتى انهم وصلوا للميتين من الأباء في قبورهم وأثروا عليهم وحولوا الترحم عليهم لسخط وقلق ... لأنهم يطلقون العنان لشياطينهم التي تبدو كتِنِّينٍ غاضب ينفث من فِيهِ ناراً فيصيبك في عمق قلبك الذي كان لهم في سابق العهد منبعا للرحمة والرأفة يَرْتَوُونَ منه متى شاؤوا وأنَّى ارتحلوا .. حتى يكاد يصيبك الذهول وتَلُفَّكَ خيبة أمل فظيعة من هؤلاء الذين قدمت لهم كل شيء جميل في لحظات ضعفهم بطيبة قلبك وحسن نيتك .. و لَكَمْ صرختَ وتعالت اصواتك من أجلهم ودافعت عنهم ولكن لاحياة لمن تنادي .. فقلوبهم الناكرة للجميل والجاحدة للمعروف متحجرةً لاخير فيها لأقرب الناس لها حتى وإن لم يكن شيئا ملموسا فدعمك المعنوي لهم وكلمتك الطيبة عندما كنت ممسكاً بزمام الأمور وابتسامتك في وجوههم العابسة .. جميل بحد ذاته .. وإزاحة التعب عن قسمات ملامحهم المتعبة من أجمل الصنائع تحت سماء الله الواسعة .. لكنهم في لحظة خبث ينقلبون ضدك في ثورة غير عادلة أو مرتقبة متسلحين بنكران الجميل والجحود اللذان هما من أشد الصفات قبحاً وبشاعة وخصوصاً عندما تأتيك من اقرب الناس والتي إن وجدتا في شخص كانتاَ دليلا دامغا على خسة نفسه ..ومرض قلبه .. علاوة على إيمانه المهزوز الضعيف ونواياه السيئة الإبليسية النتنة .. والتي تتنافى مع طبيعة الإنسان وفطرته السليمة .. والتي غالبا ما تحتم على المرء محبة من أحسن إليه و رد الحب بالحب والجميل بالشكر والعرفان أضعافا مضاعفة كما جاء في قول الله سبحانة وتعالى في سورة آل عمران : ((الَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ مِن بَعْدِ مَا أَصَابَهُمُ الْقَرْحُ ۚ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا مِنْهُمْ وَاتَّقَوْا أَجْرٌ عَظِيمٌ)) صدق الله العظيم .
(وأخيراً) :
"أقسى أنواع الألم النفسي تلمسه في ثلاث :
رحيل الأحبة .. ونكران الجميل .. وخذلان الأقارب."