الفساد .. والكيل بِمكيالين
د/سلمان الغريبي
-------------------
يقول المولى عز وجل في سورة البقرة : [وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يُعۡجِبُكَ قَوۡلُهُۥ فِي ٱلۡحَيَوٰةِ ٱلدُّنۡيَا وَيُشۡهِدُ ٱللَّهَ عَلَىٰ مَا فِي قَلۡبِهِۦ وَهُوَ أَلَدُّ ٱلۡخِصَامِ ¤ وَإِذَا تَوَلَّىٰ سَعَىٰ فِي ٱلۡأَرۡضِ لِيُفۡسِدَ فِيهَا وَيُهۡلِكَ ٱلۡحَرۡثَ وَٱلنَّسۡلَۚ وَٱللَّهُ لَا يُحِبُّ ٱلۡفَسَادَ]صدق الله العظيم ...
الفساد .. آفة ووباء خبيث فهو هلاك للبلاد وخراب لكثيرٍ من العباد .. فإذا إستشرى في بلد ما عمت الفوضى وضاعت مصالح الناس وتراجعت من سطوته كثير من الأمم للوراء لأنه ضربها في مقتل المجتمع والمؤسسات القائمة فيها ثم ما لبثوا ان انهارت تلك الامبروطوريات من جراء ذلك الفساد بشتى صوره وألوانه ومنها المالية والإدارية والاخلاقية .. فكثيرٌ للأسف الشديد من الفاسدين يسلكون تلك الطرق للوصول لمناصب هم ليسوا أهلاً لها أو طمعاً في مال لسرعة الثراء دون النظر عن هذا الكسب إحلالاً كان أم حراماً ...
فالفساد في المناقصات وترسيتها على شركات لاتفقه شيئاً في المشاريع وشروط سلامتها مثل ما رأيناه ولمسناه في سيول جدة السابقة واللاحقه ... وفي التوظيف والتعيين لمن هم لايستحقون أو تفضيل الأجنبي عن إبن البلد الأصلي بالواسطات والمحسوبيات وهم في الأصل لايستحقون ذلك وهناك من هم أحق وأولى منهم بكثير علماً وأدبًا... الدولة حفظها الله ورعاها ممثلةً في ولي العهد ورئيس مجلس الوزراء الامير/ محمد بن سلمان حفظه الله ورعاه الذي تكفل بأن ينزع هذا الفساد من جذوره وما زال يضرب بيدٍ من حديد على كل من تسول له نفسه السير في طريق الفساد ولا يفرق بين هذا وذاك فالنظام يُطبق على الكل دون إستثناء خفيراً كان ام أميراً مدنياً كان أم عسكرياً مُقيماً كان أم مواطناُ .. فكل من وقع في فخ الفساد سوف يعاقب ويحاسب حتى ولو بأثر رجعي ولا جدال في ذلك ...
فالفساد احبتي يحتاج ان نكون يد واحدة لمكافحته والإبلاغ عن مُرتكبيه حتى نكبح جماحة فكم هذا الفساد من جوره وقسوته وأوجاعه هوى بأُمم للقاع وجعلها تئن ألمًا وحسرةً وجوعاً وفقدان للأمن والأمان .. فالفساد أحبتي عند علماء اللغة في معناه الرحب هو : الخروج عن المألوف في الإعتدال سواءاً كان قليلاً او كثيرًا وهو ضد الإستقامة وبإختصار شديد هو إساءة استغلال السلطة في غير مواضعها أو استغلال الصلاحيات الممنوحة للمسؤول في تحقيق مصالح شخصية على حساب المال العام والمصلحة العامة .. فعالم الفساد عالم كبير ومتشعب ومتنوع بأشكال وألوان تتغيير وتتبدل حسب الإتفاقيات كالحرباء كلما خالطت بيئة تلونت بلونها ...!
ومن محاسن الصدف وعند كتابتي لهذا المقال أرسل لي أحد الأحبة كلام جميل عن المطففين والمطفف فوجدت فيه أن الفساد والمطفف هما وجهان لعملة واحدة وسبحان الله ربنا عنده كل شيءٍ بمقدار يعلم الصالح من الفاسد والعالم من الجاهل ويعلم خائنة الأعين وما تُخفي الصدور ... فتمعنوا أحبتي وتنبهوا في كلام الله ففيه من العبر الشيء الكثير ...
( ويل للمطففين ) وشرحوها لنا إنها البائع اللي يغش في الميزان ويعطي الناس أقل من حقوقهم !!! ولكن هل هذا فقط معنى المطففين و ماذا تعني كلمة "مطفف"؟! فالتطفيف أحبائي مشتقة من الشيء الطفيف الذي لا يهتم به الناس لقلته يعني مثلًا ينقص البائع خمسين غرام فقط من عدة كيلو غرامات هو شيء بسيط وقليل .. لكن الله توعده بـــسورة خاصة في القرآن قال المفسرون : أن ويل هو إسم للوادي الذي يسيل من صديد أهل جهنم ويوجد في أسفلها ... والعياذ بالله طيب من هم المطففين ..؟ هُم ( الذين إذا اكتالوا على الناس يستوفون وإذا كالوهم أو وزنوهم يُخسِرون ) يعني اللي يأخذون حقَّهم من الناس كاملاً وإذا حصل العكس ... ينقِصوا حق غيرهم !!! الآية لا تنطبق على البائعين فقط بل إن معناها أشمل وأعم بكثير .. فمن هو المطفف :
المطفف : زوج يريد من زوجته أن تعطيه حقوقه كاملة وهو في المقابل يظلمها ويجرحها ويُنقِصها حقَّوقها .. !!
وهذا ينطبق على الزوجة ايضاً ..!
المطفف : مدرس في نهاية كل شهر، يأخذ راتبه كاملاً ..!
وفي الوقت ذاته يهمل الطلاب ولا يراعي ضميره في الشرح ولا يهتم إلا بأصحاب الدروس الخصوصية ..!
المطفف : طبيب يأخذ حقه المادى والحوافز و يترك المرضى المحتاجين فى المستشفى وقت الدوام ويذهب لعيادته الخاصة ليرعى ويهتم بمن يدفعون له ..!
المطفف : شخص يريد من كل أقاربه أن يهتمّوا به ويسألون عنه ... وهو فى المقابل قاطع لرحمه ..!
المطفف : هو المسؤول اللي يصرف الغث من المعونات للآخرين ويحتفظ بالجيد لمن له مصالح ومنافع معهم ..!
المطفف : هو ذلك الموظف الذي يعطل مصالح الناس ومقدراتهم ولا يأبه لهم وفى المقابل يوصل الحقوق لأصحاب الوسائط فى بيوتهم لمنافع تسدى له ..!
المطفف : هو كل صاحب عمل يعطى الفرص والحوافز لأشخاص بعينهم ويحرم منها عموم العاملين لأغراض فى نفسه ..!
المطفف : هو الكفيل الذى يأخذ من مكفوله أكثر من حقه ويبخسه راتبه أو يمنعه إياه ..!
المطفف : هو أستاذ الجامعة والقاضي ومدير المؤسسة الذي يعين إبنه أو قريبه فى مجال عمله ويحرم منها من هو أكفأ منه!،الآية تجعل كل ذى عقل يفكر ... ؟! إن معناها الجامع يشمل أدق جوانب حياتنا .. هل كلنا مراعي لضميره في عمله؟في حياته؟ في علاقاته الاجتماعية؟أو حتى في علاقاته المادية .. يقول تعالى : [ويلٌ للمطفِّفين • الذين إذا اكتالوا على الناس يستوفون وإذا كالوهم أو وزنوهم يخسرون] .. ثلاث آيات فقط تجعلنا نمعن التفكر في حياتنا العلمية والعملية قليلًا وتبعدنا عن الفساد بشتى صوره وأساليبه الملتوية التي تمحق البركة منا في صحتنا ومالنا وكل مايؤول إلينا .