|

العمري المحارب النبيل . منصة لسان مبين اللغوية وحرب الهوية

الكاتب : الحدث 2021-05-25 09:16:41

 

تتجلى عظمة الأمم من خلال مقومات شتى، لعل من أبرزها حفاظها على لغتها، وسعيها الدائب نحو الارتقاء بها، بوصفها أعلى درجات الهوية، وأدلّ الملامح على خصوصيات الكيانات الكبرى ثقافيًا واجتماعيًا.

ولعل العرب في طليعة الأمم، التي تركت إرثًا حضاريًا مشرفًا في الدرس اللغوي في مختلف جوانبه، فقد أشاد الألماني الشهير (أوجست فيشر) في معجمه التاريخي الكبير، فيما أنجزه العرب في هذا الشأن، مثمنًا ما اتسمت به المصنفات اللغوية عند العرب من وفرة وإتقان.

كما تتجلى عظمة المشروعات الثقافية الكبرى، من خلال انطلاقها من واقع تعايشه؛ سعيًا إلى مستقبل أفضل ترتاد آفاقه؛ فهي تلتحم مع الواقع، وتعاينه، وتشخص آفاته بعين الفاحص الخبير؛ سعيًا إلى إحداث نقلة إيجابية؛ تذلل صعوبات هذا الحاضر، وتقضي على ما يعترض سبيله من معوقات.

في هذا السياق ينظر المتابع بعين التقدير والإعجاب لواحد من المشاريع الثقافية، التي بزغ نـجمها في أفق الحياة الثقافية السعودية، وهو مشروع “منصة لسان مبين اللغوية“ الذي أطلقه أ.د "محمد بن علي العمري" أستاذ في جامعة الملك خالد؛ ساعيًا من ورائه إلى تبسيط علوم اللغة العربية لدارسيها من العرب وغير العرب،وذلك اعتمادًا على تقديم مادة ثرية، باستغلال أساليب تقنية تواكب العصر، وتتماشى مع اهتمامات أهله.

ولعل عظمة هذا المشروع الطموح تتجسد من خلال سعيه إلى كسر الحاجز النفسي بين الطلاب والمثقفين من جانب، وعلوم اللغة وفنونها من جانب آخر، وهو الحاجز الذي قام على وهم كبير في أذهان المعاصرين، زرع في نفوسهم قناعة بصعوبة العربية، وبعدها عن منال الطالبين؛ وهو مذهب يسعى الدكتور العمري ـــ من خلال هذا المشروع ـــ إلى تبديده، وبيان ما يكتنفه من عوار، وقد أدرك صاحب المشروع من خلال معايشته للواقع التعليمي، الذي يـخوض غماره في الجامعات السعودية لما يقارب ثلاثة عقود، أنَّ ثـمة هوة كبيرة بين الشباب الدارسين وهويتهم اللغوية، ومن ثم اتجه بمشروعه هذه الوجهة، التي تسعى إلى إطلاع المعاصرين على ما غاب عنهم من جمال العربية وجلالها، ولفتِ أنظارهم إلى ما خفي عن نواظرهم من كنوزها، التي غاصت في بطون المتون، وعـزَّ ارتيادها، إلا على صفوة المثقفين، وكل ذلك بأسلوب مبسط، وصيغة معاصرة.

إن مشروعًا هذا شأنه، لـهو حريٌ بدعم كبير لا يقف عند حد؛فهو يُضَع في مصاف المشروعات الكبرى، التي يُنتظر من ورائها تدعيم الهوية، وإمداد الشباب بروابط قوية، توثق عراهم بأرواح أسلافهم، وتقود خطاهم على درب الحداثة، انطلاقًا من الوعي بالذات قبل كل شيء .

ولعل الأجهزة الثقافية المختلفة، تولي مثل هذه المشاريع ما تستحقه من دعم مادي ومعنوي، يعين على تعميق الرؤية، ويُسهم في إدراك ما تسعى إليه من نبيل المقاصد، وجليل الغايات.

وكاتب هذه السطور من واقع انتمائه إلى العربية دارسًا،ومدرسًا، وباحثًا، ومحبًا، وجنديًا محاربًا يذود عن حماها، ويبذل جهده في سبيل نصرتها، والحفاظ عليها، أول المبادرين إلى المشاركة في نشر هذا المشروع الرائد، معلنًا استعداده التام للانضمام إلى كتيبة المحاربين النبلاء، الذين يقودهم العمري، يخوضون حرب الهوية، والحفاظ على الذات.

بقلم الدكتور :مرعي بن محمد الوادعي