انخفاض " الين " يثير جدلا حول مزايا العملة الضعيفة
تنطوي عمليات البيع المكثفة للين الياباني على خطر انقسام صانعي السياسة في طوكيو بشأن ما إذا كان ينبغي قبول عملة ضعيفة أم مقاومتها، ما يزيد المخاطر قبل اجتماع بنك اليابان هذا الأسبوع.
انخفض الين أكثر من 11 في المائة في أقل من شهرين ليهبط إلى أدنى مستوى له منذ 20 عاما، نحو 130 ينا مقابل الدولار، فيما يراهن المتداولون على اتساع الهوة في السياسة النقدية بين بنك اليابان والبنوك المركزية الرئيسة الأخرى، التي تسرع في رفع التدابير التحفيزية. ولم يظهر مسؤولو بنك اليابان أي علامة على الابتعاد عن سياستهم النقدية المتساهلة للغاية قبل اجتماع الخميس، حتى مع بدء الارتفاع العالمي في أسعار الطاقة في توليد نوع من التضخم المحير في اليابان.
في الوقت ذاته، أدت وتيرة انخفاض الين – التي تضمنت سلسلة خسائر قياسية استمرت 13 يوما – إلى إثارة تكهنات متنامية بأن وزارة المالية اليابانية ستأمر البنك المركزي بالتدخل في الأسواق لدعم العملة للمرة الأولى منذ 1998.
ويعكس القلق بشأن تراجع الين تحولا عما كان عليه الحال في عهد رئيس الوزراء الأسبق، شينزو آبي، الذي شجعت "سياساته الاقتصادية" على ضعف العملة باعتبار الأمر نعمة لاقتصاد اليابان، الذي يركز على التصدير.
بحسب جين فولي، رئيسة استراتيجية العملات في رابوبانك: "لن ترغب وزارة المالية (اليابانية) في رؤية نوع الذعر، الذي نربطه بعملات الأسواق الناشئة. لقد مررنا بفترة طويلة، حيث أراد الجميع سعر صرف ضعيف، لأنه لم يكن هناك تضخما". أضافت: "الآن من الصعب سياسيا الاكتفاء بالجلوس وعدم القيام بأي شيء عندما ترتفع تكلفة المعيشة، حتى بالنسبة لليابان التي لا يزال التضخم فيها متواضعا نسبيا".
في المراحل الأولى من التراجع شددت السلطات اليابانية على مزاياه، ومن ضمنها تعزيز أرباح شركات التصدير الكبرى، التي غالبا ما تعد المحرك لاقتصاد اليابان. لكن مع اقتراب الين من مستوى 130 ينا مقابل الدولار، فإن استبيانا مؤثرا واحدا على الأقل لقادة الشركات وضع هذه المزايا محل تساؤل.
تفضل الشركات الكبيرة عموما الين الأضعف كونه يعزز أرباحها المكتسبة في الخارج. لكن شركات الاستيراد عادة ما تنظر إلى الأمر من منظور سلبي، ولا سيما المجموعات الصغيرة، التي توظف الأغلبية العظمى من القوة العاملة اليابانية.
زاك باندل، المحلل الاستراتيجي للصرف الأجنبي في بنك جولدمان ساكس، أشار إلى نبرة التعليقات الأخيرة الصادرة عن صانعي السياسات اليابانيين، قائلا إن اقتراب الين من المستويات، التي أدت إلى التدخل في أواخر التسعينيات وفي أعقاب الأزمة المالية الآسيوية "زادت بشكل كبير من احتمال إقدام بنك اليابان على الدخول في السوق نيابة عن وزارة المالية".
أحد الأسباب وراء متابعة الين عن كثب حول العالم هو استخدامه فيما يسمى تداولات "المناقلة". فقد سمحت تجربة اليابان الطويلة مع السياسة النقدية المتساهلة للغاية للمستثمرين بالاقتراض بالعملة اليابانية، والسعي وراء الأصول التي توفر عوائد أعلى في أماكن أخرى.
مع ذلك، يعتقد معظم المحللين أن التدخل في السوق سيكون في أفضل الأحوال له تأثير عابر طالما يظل بنك اليابان متمسكا بما يسمى "التحكم في منحنى العائد"، الذي يتعهد بموجبه بشراء كميات غير محدودة من ديون الحكومة اليابانية من أجل الحفاظ على تكاليف الاقتراض لعشرة أعوام أقل من 0.25 في المائة. تسببت هذه السياسة في تضخم الفجوة بين تكاليف الاقتراض طويل الأجل في اليابان وتكاليف الاقتراض في الولايات المتحدة وأوروبا، ما زاد الضغط على الين وجعلت بنك اليابان يقف بمفرده، بصورة أو بأخرى، في مقاومة عمليات بيع عالمية للديون.
ووفقا لجورج سارافيلوس، الرئيس العالمي لأبحاث الصرف الأجنبي في دويتشه بانك: "من غير المرجح أن يكون أي نوع من التدخل في الصرف الأجنبي – شفهيا كان أو غير ذلك – فعالا ما لم يتخل بنك اليابان عن التحكم في منحنى العائد". أضاف: "إما أن ترتفع عوائد السندات الحكومية اليابانية وإما يظل الين ضعيفا. لا يمكن لليابان الجمع بين الخيارين".
في سياق تحركه نحو الانخفاض من 114 ينا مقابل الدولار في أوائل آذار (مارس)، عبر الين عددا من "القرارات المفترضة التي لا عودة بها" – المستويات التي تصور المشاركون في السوق سابقا أن من شأنها أن تجذب شكلا من أشكال التدخل من السلطات اليابانية. لكن حتى عندما غير وزير المالية، شونيتشي سوزوكي، ومحافظ بنك اليابان، هاروهيكو كورودا، موقفهما للتحذير من الآثار السلبية للانخفاض السريع في قيمة الين، تجاهلت السوق إلى حد كبير محاولة التدخل اللفظي تلك.
مع وجود مؤشرات قليلة على حدوث تحول وشيك في السياسة النقدية، يتوقع بعض المحللين أن يزداد تراجع الين. قال جوناس جولترمان، كبير اقتصادي الأسواق في شركة كابيتال إيكونوميكس، إن الاحتمال الكبير بأن يحافظ بنك اليابان على موقفه الحالي يعني زيادة نقطة مئوية أخرى في فجوة عائد السندات الأمريكية لمدة عشرة أعوام على مدى الأشهر الستة إلى الـ12 المقبلة، والانتقال إلى 140 ينا مقابل الدولار بحلول نهاية 2022.
من جانبه، عد منصور محي الدين، كبير الاقتصاديين في بنك سنغافورة، أن المخاوف بشأن فعالية التدخلات السابقة كانت أحد العوامل ومن المرجح أن تقوم السلطات اليابانية بتصعيد التدخل اللفظي، إذا ضعف الين إلى أكثر من 130 ينا مقابل الدولار.
قال: "لا يوجد إحساس بالذعر مثلما كان في 1998. من الواضح أن الأمر خفض قيمة الين، لكنه منظم إلى حد ما"، مضيفا أن من غير المرجح أن يجري كورودا أي تغيير في السياسة الخميس، نظرا لاحتمال أن تتمكن اليابان أخيرا من بلوغ التضخم المستهدف عند 2 في المائة، الذي ميز فترته محافظا للبنك المركزي.
أضاف: "إنها الفرصة الأخيرة لكورودا، وفرصة اليابان الوحيدة في كل جيل لرفع التضخم. إذا رسخوا توقعات التضخم مرة أخرى، عندها ستعود اليابان من الناحية النظرية إلى كونها نوع الاقتصاد الذي لم تكن عليه منذ 30 عاما"