|

توترات في أوروبا .. أزمة الغواصات مع أستراليا تهدد بتجميد اتفاقها التجاري في مهده

الكاتب : الحدث 2021-09-18 11:59:19

 
    

 
أكدت فرنسا عدم قدرتها على الوثوق بأستراليا في المحادثات الجارية بشأن إبرام اتفاق تجاري مع الاتحاد الأوروبي، بعدما تخلت الأخيرة عن صفقة لشراء غواصات فرنسية لمصلحة غواصات أمريكية.
وبدا أن باريس التي وصفت القرار الأسترالي بأنه "طعنة في الظهر" تصدر تهديدا بأن هذه الخطوة قد تؤثر في محادثات التجارة بالمعنى الواسع.
وقال كليمان بون وزير الدولة للشؤون الأوروبية "نجري مفاوضات تجارية مع أستراليا، لا أعلم كيف سيكون بإمكاننا الوثوق بشركائنا الأستراليين".
وأكملت المفوضية الأوروبية التي تتفاوض بشأن الاتفاقات التجارية نيابة عن الحكومات الأعضاء، وأستراليا هذا الربيع الجولة الـ11 من المفاوضات التجارية التي بدأت 2018. ومن المقرر عقد الجولة التالية من المحادثات التي تغطي مجالات تشمل التجارة والخدمات والاستثمار وحقوق الملكية الفكرية، في خريف العام الحالي.
ويعد الاتحاد الأوروبي ثالث أكبر شريك تجاري لأستراليا، بحيث بلغت قيمة التجارة في السلع لـ2020، نحو 36 مليار يورو و26 مليارا في الخدمات.
واختيرت مجموعة نافال جروب الفرنسية التابعة جزئيا للدولة، لبناء 12 غواصة تعمل بالطاقة التقليدية لمصلحة أستراليا، استنادا إلى غواصة باراكودا الفرنسية التي تعمل بالطاقة النووية قيد التطوير.
امتياز واشنطن
لكن الرئيس الأمريكي جو بايدن ورئيسي الوزراء الأسترالي والبريطاني أعلنوا الأربعاء اتفاقا دفاعيا جديدا تحصل كانبيرا بموجبه على أسطول غواصات تعمل بالطاقة النووية، وهو امتياز كانت واشنطن تحتفظ به حتى الآن لبريطانيا فقط، وفقا لوكالات أنباء.
من جانبه قال سكوت موريسون رئيس الوزراء الأسترالي "إنه أثار احتمال أن تلغي بلاده صفقة غواصة أبرمتها 2016 مع شركة فرنسية في محادثات مع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في حزيران (يونيو)"، رافضا الانتقادات الفرنسية بشأن عدم تلقيها تحذيرات.
وكانت أستراليا أعلنت أمس الأول، أنها ستلغي صفقة قيمتها 40 مليار دولار مع مجموعة نافال الفرنسية لبناء أسطول من الغواصات التقليدية، وأنها ستبني بدلا من ذلك ما لا يقل عن ثماني غواصات تعمل بالطاقة النووية بتكنولوجيا أمريكية وبريطانية بعد إبرام شراكة أمنية ثلاثية.
ووصف جان إيف لو دريان وزير الخارجية الفرنسي القرار بأنه "طعنة في الظهر"، فيما قال موريسون إن "فرنسا أبلغت بالقرار قبل الإعلان"، لكن باريس نفت ذلك.
وأقر موريسون بالضرر الذي لحق بالعلاقات بين أستراليا وفرنسا، لكنه أصر على أنه أبلغ ماكرون في حزيران (يونيو) بأن أستراليا راجعت تفكيرها بشأن الصفقة وقد يتعين عليها اتخاذ قرار آخر.
وقال في تصريحات إذاعية "لقد أوضحت خلال عشاء في باريس مخاوفنا بشأن قدرة الغواصات التقليدية على التعامل مع البيئة الاستراتيجية الجديدة التي نواجهها، لقد أوضحت أن هذه مسألة ستعين على أستراليا اتخاذ قرار بشأنها بما يخدم مصلحتها الوطنية".
دعم إضافي في آسيا
يأتي توتر العلاقات بين أستراليا وفرنسا في الوقت الذي تسعى فيه الولايات المتحدة وحلفاؤها إلى الحصول على دعم إضافي في آسيا والمحيط الهادئ وسط مخاوف من تنامي نفوذ الصين.
وتوشك فرنسا على تولي رئاسة الاتحاد الأوروبي، الذي أصدر أمس الأول، استراتيجيته لمنطقة المحيطين الهندي والهادي، متعهدا بالسعي لإبرام اتفاق تجاري مع تايوان ونشر مزيد من السفن لإبقاء الطرق البحرية مفتوحة.
وأكد أنتوني بلينكن وزير الخارجية الأمريكي أن فرنسا شريك حيوي للولايات المتحدة في منطقة المحيطين الهندي والهادئ، وذلك غداة الإعلان عن تحالف عسكري بين واشنطن ولندن وكانبيرا أثار حفيظة باريس. وقال خلال مؤتمر صحافي في واشنطن "لا يوجد انقسام إقليمي بين مصالح شركائنا الأطلسيين والشركاء في المحيط الهادئ، هذه الشراكة مع أستراليا والمملكة المتحدة تظهر أننا نريد العمل مع شركائنا، بما في ذلك في أوروبا، لضمان أن تكون منطقة المحيطين الهندي والهادئ حرة ومفتوحة".
وتابع بلينكن "نحيي الدول الأوروبية التي تؤدي دورا مهما في منطقة المحيطين الهندي والهادئ، ونريد مواصلة التعاون الوثيق مع حلف شمال الأطلسي والاتحاد الأوروبي ومع آخرين في هذا الصدد".
أزمة مفتوحة
أكد مسؤول كبير في البيت الأبيض أن فرنسا والولايات المتحدة أجرتا اتصالات رفيعة قبل الإعلان عن التحالف العسكري الجديد بين واشنطن وكانبيرا ولندن، الذي يشمل حصول أستراليا على غواصات تعمل بالدفع النووي بتكنولوجيا أمريكية.
وقال المسؤول الذي طلب عدم كشف هويته، إن "مسؤولين كبارا في الإدارة الأمريكية كانوا على اتصال مع نظرائهم الفرنسيين لمناقشة الاتفاقية العسكرية الجديدة مع أستراليا".
وأضاف "كما قال الرئيس بايدن أمس الأول، نتعاون بشكل وثيق مع فرنسا بشأن أولوياتنا المشتركة في المحيطين الهندي والهادئ، وسنواصل القيام بذلك".
ودخلت العلاقات بين فرنسا والولايات المتحدة في أزمة مفتوحة بعد إلغاء أستراليا الصفقة. ومساء الأربعاء أعلن الرئيس جو بايدن إطلاق شراكة استراتيجية مع المملكة المتحدة وأستراليا، تتضمن تزويد كانبيرا بغواصات أمريكية تعمل بالدفع النووي، ما أخرج عمليا الفرنسيين من اللعبة.
وأجرت فرنسا والولايات المتحدة اتصالات رفيعة قبل الإعلان عن التحالف العسكري الجديد بين واشنطن وكانبيرا ولندن، الذي يشمل حصول أستراليا على غواصات تعمل بالدفع النووي بتكنولوجيا أمريكية.
محاولات تهدئة
حاولت أستراليا أمس التخفيف من غضب الصين بعد الإعلان عن شرائها غواصات تعمل بالدفع النووي من الولايات المتحدة، متعهدة احترام القانون الدولي في المجالين الجوي والبحري اللذين تطالب بهما بكين.
وقال سكوت موريسون رئيس الوزراء الأسترالي في مقابلة مع محطة "2جيجابايت" الإذاعية "إن الصين لديها برنامج كبير جدا لبناء غواصات نووية". وردا على انتقادات بكين قال "لديها الحق في اتخاذ قرارات دفاعية لمصلحتها، وكذلك أستراليا وكل الدول الأخرى".
وجاء رد فعل الصين عنيفا إذ وصفت عملية شراء هذه الغواصات بأنها "غير مسؤولة" وتهدد الاستقرار في منطقة المحيطين الهندي والهادئ، كما لفتت إلى أنها تشكك في الجهود الدولية لمنع انتشار الأسلحة النووية. وحذرت من أن هؤلاء الحلفاء الغربيين يخاطرون بإلحاق ضرر بمصالحهم الخاصة. كذلك، ينص الاتفاق الأمني الجديد بين أستراليا والولايات المتحدة وبريطانيا، الذي أعلنه الرئيس الأمريكي جو بايدن الأربعاء، على تعاون وثيق بين واشنطن وكانبيرا في مجال الدفاع السيبراني والذكاء الاصطناعي خصوصا.
وشدد رئيس الحكومة الأسترالي في عديد من المقابلات على أن حكومته كانت تستجيب للوضع الراهن في منطقة آسيا والمحيط الهادئ، حيث يجري نزاع متزايد على الأراضي، وحيث تتصاعد المنافسة.
توترات تجارية
قال موريسون لمحطة "تشانيل سيفين" التلفزيونية إن "أستراليا تدرك تماما قدرة الغواصات النووية الصينية والإنفاق العسكري المتزايد لبكين".
وأضاف "نريد أن نتأكد من أن المياه الدولية ستبقى كذلك، على غرار الأجواء، وأن الأحكام القانونية تطبق بالطريقة نفسها في كل مكان"، لافتا إلى أن كانبيرا تريد ضمان عدم وجود مناطق محظورة في المناطق التي يسود فيها القانون الدولي. وأشار إلى أن هذا مهم جدا سواء تعلق الأمر بالتجارة والكابلات البحرية أو بالطائرات والفضاء الذي يمكن أن تحلق فيه، أعني أن هذا هو النظام الذي نريد الحفاظ عليه، هذا ما يوفره السلام والاستقرار وهذا هو الهدف الذي نسعى إلى تحقيقه.
أثار هذا التحالف غضب فرنسا التي خسرت نتيجته عقدا بقيمة 90 مليار دولار أسترالي "56 مليار يورو" لتزويد أستراليا بـ12 غواصة تقليدية.
وقال جان إيف لودريان وزير الخارجية الفرنسي "إن هذا القرار الأحادي والمباغت يشبه كثيرا ما كان يفعله الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترمب"، واصفا إياه بأنه "طعنة في الظهر".
ودافع موريسون عن نفسه قائلا "إن هذه المعلومات نقلت مباشرة إلى رئيس الجمهورية ووزير الخارجية ووزير الدفاع"، فيما قال "إنه يتفهم خيبة أملهم".
وأوضح رئيس الوزراء لإذاعة "فايف إيه إيه"، "عندما التقيت الرئيس نهاية تموز (يونيو)، أوضحت له مخاوفنا بشأن قدرة الغواصات التقليدية على التعامل مع البيئة الاستراتيجية الجديدة".
وأضاف "وهو قال بكل وضوح إنها مسألة تقررها أستراليا مع مراعاة مصالحها الوطنية".
تصاعد النفوذ الصيني
يشير البعض إلى أن تصاعد نفوذ الصين هو السبب الحقيقي وراء التحالف العسكري الجديد بين واشنطن وكانبيرا ولندن، إذ تطالب بكين تقريبا بكل بحر الصين الجنوبي الغني بالموارد الطبيعية الذي تمر عبره مليارات الدولارات من البضائع سنويا، وترفض المطالبات الإقليمية للدول الساحلية الأخرى وهي فيتنام وماليزيا وبروناي وتايوان والفلبين.
واتهمت الصين بنشر صواريخ مضادة للسفن وصواريخ "أرض - جو" متجاهلة قرار المحكمة الدائمة للتحكيم التي قضت 2016 بأن بكين ليس لديها حق تاريخي على هذا البحر الاستراتيجي.
وتتصاعد التوترات التجارية بين بكين وكانبيرا منذ 2018، ففي الأشهر الأخيرة، فرضت الصين عقوبات اقتصادية شديدة على عديد من المنتجات الأسترالية.
ويعتقد كثر أن هذه الخطوة هي قبل كل شيء انتقام لرفض توظيف استثمارات صينية في قطاعات تعد استراتيجية، ودعوات كانبيرا إلى التحقيق في مصدر وباء كوفيد - 19.
وأكد موريسون أن هذا التحالف الجديد الذي كان ثمرة 18 مناقشة مع واشنطن وبريطانيا، سيكون دائما.
وقال "إنه ينطوي على التزام مهم جدا، ليس فقط اليوم لكن على الدوام، إنها شراكة ستسمح لأستراليا بضمان أمنها في المستقبل".
وأوضح كذلك أن هذا التحالف الدفاعي لقي ترحيبا من قادة اليابان والهند وسنغافورة ونيوزيلندا وفيجي وبابوا غينيا الجديدة الذين التقاهم.