|

محافظة الزلفي… تاريخ المكان وصناعة الإنسان

الكاتب : الحدث 2025-12-26 05:11:52

بقلم ــ محمد العتيّق

تعود جذور محافظة الزلفي إلى تاريخ عريق ارتبط بالماء والاستقرار، حيث نشأت حول موارد المياه، فكانت موطنًا للحياة، ومحطة للقوافل، وملاذًا للباحثين عن الأمن والرزق. ومنذ بداياتها، تشكّلت الزلفي على قيم نجدية أصيلة، فكبرت محافظة على هويتها، متجددة في أدوارها، دون أن تنفصل عن تاريخها أو تفقد ملامحها.

وتقع الزلفي في موقع جغرافي مهم في قلب نجد، منحها قيمة استراتيجية مبكرة، وجعلها حلقة وصل بين عدد من المناطق، وبوابة لحركة الناس والتجارة. هذا الموقع أسهم في ازدهارها اقتصاديًا، فكانت التجارة إحدى ركائز حياتها، ومجالًا برع فيه أبناؤها، وأسهموا من خلاله في خدمة منطقتهم وخدمة المملكة العربية السعودية، بما ينسجم مع مسيرة الدولة ونهضتها.

وتجارة الزلفي لم تكن قائمة على المكاسب المادية وحدها، بل قامت على الصدق والثقة وحسن التعامل، وهي صفات عُرف بها رجالها، فكانوا مثالًا للتاجر الأمين، وصاحب الأثر الاجتماعي، والحضور المؤثر في مجتمعه.

وتُعد محافظة الزلفي اليوم من المحافظات المتميزة في نجد، بأهلها قبل عمرانها، وبأبنائها قبل مشاريعها. يتميز أهلها ورجالها بمحبتهم الصادقة لمحافظتهم، ويتسابقون في كل ما من شأنه رفعتها، ويبذلون الغالي والنفيس لأجل ذلك، إيمانًا بأن المدن لا تنهض إلا بسواعد أبنائها.

وفي الزلفي رجال بلغ بهم الثراء مبلغًا كبيرًا، غير أن ذلك لم يبعدهم عن محافظتهم، بل زادهم قربًا منها. نراهم اليوم يساهمون في مشاريع تنموية متعددة، فمنهم مَنْ دعم مشروع قطار «سار» بمبالغ مليونية، ومنهم مَنْ أسهم في إنشاء عيادات طبية متخصصة، ومنهم مَنْ تقدم لامتلاك نادي الزلفي بعد الخصخصة، إلى جانب مبادرات أخرى تخدم أبناء المحافظة وتسهم في تنميتها. ومن صور هذا العطاء المجتمعي ما تقوم به ورشة المرضى، تلك المبادرة الإنسانية التي جسدت معنى التكافل، وساهمت في مساندة المرضى وتخفيف معاناتهم، لتكون نموذجًا حيًا لرحمة المجتمع وتماسكه.

والعلم هنا، ودون قصد تمييز، وإنما تقدير واحترام، لا يسع الحديث عن الزلفي ورجالاتها إلا أن يمر على إحدى أيقوناتها المعروفة، الشخصية الكريمة التي كان لكرمها أثرٌ باقٍ، حتى غدا بيته القائم عند مدخل الزلفي موضع ترحيب بالقادمين، ووجهًا من وجوه المدينة، يعرفه من عرف الزلفي، ويشهد له من مر بها، (يبه).

ومن نعم الله عليّ أنني أعرف عددًا من رجالات هذه المحافظة، وأعتز بمعرفتهم، وأشهد كرمهم، وإقدامهم، وكريم أخلاقهم. وما أكتبه هنا شهادة واقع عايشته، أقول فيها الحق كما رأيته وشاهدته. وحق لمحافظة الزلفي أن تفتخر بأبنائها، وحق لنا جميعًا أن نفتخر بهذه المحافظة الحالمة، التي تقبع بين كثبان الرمال الذهبية، لتكون واحة من الجمال، ومكانًا يصنعه الإنسان قبل العمران.