|

مكة.. دهشةٌ تتجدد، وتنظيمٌ يكتب الفخر

الكاتب : الحدث 2025-12-04 07:04:44

بقلم ــ محمد العتيق 


ذهبتُ مع أحد الإخوة إلى مكة المكرمة في مهمة عمل، واقتنصنا الفرصة لأداء العمرة، ولعل الغياب عن الحرم ما يقارب ثلاث سنوات جعلني أدخل ساحاته هذه المرة بعينٍ يخالطها الشوق، ويمتزج في أطرافها شيءٌ من الحنين القديم. ومع أول خطوة داخل المسجد الحرام أدركت أن شيئًا كبيرًا قد تغيّر؛ فالتنظيم لم يعد مجرد إدارة للحشود، بل أصبح عملاً يُمارَس على مدار أربعٍ وعشرين ساعة، بترتيب ينساب كالواحة وسط زحام الدنيا.

المشهد كان يفوق الوصف. قوى عاملة تنتشر بهدوء، ورجال أمن يتقدمون بثبات، وإرشادٌ لا ينقطع، واستعدادٌ يُشعر الزائر أنه بين أهلٍ يعرفون قدر المكان وقداسة المهمة. هذا الانسجام يلمسه كل صاحب ضمير حي، وكل منصف يرى بعينه قبل سمعه حجم الجهد المبذول.

ورغم هذا التنظيم البديع، يبقى التحدي الأكبر ليس في إدارة الملايين، وإنما في التعامل مع بعض السلوكيات الفردية التي تُربك المشهد. فكم من طائف أوقف سير الطواف فجأة ليصلي وسط الزحام، أو من يحاول الوصول إلى الكعبة ولمس كسوتها في وقتٍ لا يسمح فيه الازدحام بذلك، فإذا أراد الخروج زاحم الناس وضاق بهم وبضاقوا به. تلك سلوكيات تُرهق الطائفين، وتربك الحركة، وتجعل رجل الأمن أمام مهمة صعبة: كيف يحافظ على قدسية المكان، وينظم الناس، ويحمي الأرواح دون أن يمس مشاعر أحد؟

برغم هذا كله، يظل رجل الأمن ثابتًا، صبورًا، يواجه الموقف بابتسامةٍ وهدوء، مدعومًا بخطة محكمة وبعمل متواصل لا يعرف توقفًا. ومن يقف على هذه التفاصيل يدرك أن ما يحدث في الحرم عمل دولة كاملة، لا مجرد إدارة موقع.

ولو أن كل زائر تأمل المشهد بعين الإنصاف، لرفع يديه بالدعاء لولاة الأمر، ولمن سخّرهم الله لحماية الحرمين الشريفين، ولمن يُشرفون على هذه التوسعات العملاقة التي تُنجَز ليلًا ونهارًا. فهذه المشاريع ليست مجرد حجارة تُضاف، بل رؤية تُبنى، ورفعة تُصاغ، وخدمةٌ تُقدَّم للعالم كله.

إن ما رأيته في هذه الزيارة يبعث على الفخر، ويرفع الرأس، ويؤكد أن المملكة حين تخدم ضيوف الرحمن، فإنها تفعل ذلك بروحٍ تُشبه نور مكة نفسها: صافية، نقية، وممتدة في الخير بلا حدود. أما غير المنصفين الذين يلوّنون الأبيض بالسواد، فهؤلاء لا وزن لحديثهم أمام حقيقة يراها كل من دخل هذا المكان بقلبٍ صادق.

إنها مكة… حيث العمل عبادة، والتنظيم رسالة، والدولة على عهدها: خدمة الحرمين شرفٌ لا يُضاهى.