|

فنّ قول “لا”.. طريق أبنائنا إلى السعادة الحقيقية

الكاتب : الحدث 2025-11-25 03:07:32

بقلم ـ أفراح سلطان

نعيش اليوم في زمنٍ اختلطت فيه المتعة بالسعادة، حتى صار الأبناء يظنون أن الطريق إلى الفرح هو المزيد من الوناسة، والمزيد من الاستجابة الفورية لأي رغبة تتولد في لحظتها. لكن الحقيقة التي يغفل عنها كثيرون هي أنّ أبنائنا محرومون من الحرمان… وهذا الحرمان هو الذي يمنحهم نعمة أن يعرفوا الفرق بين اللذة العابرة والسعادة العميقة.
المتعة شعور لحظي، لامع وسريع، يأتي من الخارج؛ من شراء، أو لعبة، أو أكل، أو سفر، أو ضحك مفاجئ.
تنتهي مثلما بدأت، وتترك خلفها فراغاً صغيراً يطالب بمتعة أكبر. هرمونها الدوبامين، ذلك المحفّز السريع الذي يرفع الإنسان للحظة ثم يتركه يهبط فجأة. أما السعادة فهي حالة داخلية، هادئة، طويلة النفس. تنمو من القناعة، من الرضا، من إنجاز يتعبك ثم يكرمك، من دعاء يفتح صدرك، ومن علاقات تمنحك طمأنينة. هرمونها السيروتونين، الذي يزرع فيك الاستقرار والراحة والسلام.
حتى المدمنون حين يدخلون عنابر العلاج، يضخّون في أجسادهم السيروتونين ليوازن أثر الدوبامين؛ فهما نقيضان، لا يجتمعان في قلبٍ واحدٍ متخم باللذة السريعة. وهكذا تمامًا أبناؤنا…
طفلٌ غرق في المتعة لا يعرف السعادة، وطفلٌ يعرف السعادة يدرك المتعة بطعم أجمل وأعمق؛ ولذلك يكون أسوأ ما يمكن أن نقدمه لأبنائنا أن نجعلهم مستمتعين بلا سعادة، وضاحكين بلا رضا، محاطين بكل شيء ومحـرومين من المعنى.
هنا تأتي قيمة كلمة “لا”…
هذه الكلمة التي يظنها البعض قسوة، بينما هي في الحقيقة هبة تربوية عظيمة.
حين نقول لا، نحن لا نمنع فرحة، بل نعلّم مهارة .. مهارة تأجيل الإشباع، تحمل الحرمان البسيط، واحترام الانتظار.ومن لا يتذوق طعم الحرمان، لن يعرف يومًا طعم السعادة… لأن كل شيء يصبح متاحًا ، وكل شيء بلا قيمة.
يا آباء وأمهات هذا الجيل ، احذروا أن يغرق أولادكم في موج المتعة اللحظية، احذروا أن تكون البيوت مخازن رغبات تُلبّى فورًا ، فالأطفال الذين لم يسمعوا كلمة لا، لن يعرفوا أبدًا لماذا يقول العالم لهم نعم أو لا لاحقًا .
علموهم أن السعادة تُصنع، وأن المتعة تُستهلك، وأن الفرح الحقيقي لا يأتي من هاتف جديد، بل من قلب يعرف لماذا يعيش ولأي شيء ينتظر.