|

إجازتي هذا العام حملت معنى آخر

الكاتب : الحدث 2025-11-24 02:42:00

بقلم : شفاء الوهاس

عند اقتراب موعد الإجازة، بدأ يفصلني عن ضجيج العمل والدراسة ذلك الشعور الخفيف بالراحة الذي ينمو شيئًا فشيئًا في داخلي. فالإجازة بالنسبة للكثيرين فرصة للسفر البعيد واستكشاف أماكن جديدة، لكنها بالنسبة لي هذا العام حملت معنى مختلفًا تمامًا. بعد أيام طويلة من التفكير، قررت أن أقضي إجازتي في بلدي، وبين جدران بيتي على وجه الخصوص، بحثًا عن السكون الذي افتقدته، وحنينًا إلى لحظات بسيطة تعيد إليّ توازني الداخلي.
لم تكن الفكرة مرتبطة بالعجز عن السفر أو قلّة الخيارات، بل كانت نابعة من رغبتي في التخفّف من الركض المستمر خلف الالتزامات اليومية. شعرت بأن أجمل ما يمكن أن أقدمه لنفسي هو أن أعود إلى الأشياء القريبة: مدينتي التي أعرف شوارعها جيدًا، ووجوه الناس التي تمنحني شعورًا بالألفة، وبيتي الذي يشبه حضنًا واسعًا يحتويني مهما ابتعدت عنه.
مع بداية الإجازة، رتّبت يومي على نمط مختلف. استيقظت بهدوء دون منبّه، وجلست في شرفتي أحتسي قهوتي ، أراقب حركة الصباح دون استعجال. كانت تلك اللحظات الصغيرة كفيلة بأن تزرع في قلبي راحة لم أشعر بها منذ زمن. خصّصت جزءًا من يومي للقراءة، وجزءًا آخر للتأمل ومراجعة ذاتي، وأحيانًا كنت أكتفي بالاسترخاء التام دون أي نشاط. اكتشفت أن الراحة الحقيقية لا تحتاج دائمًا إلى سفر أو مغامرة، بل ربما تكمن في البساطة وفي إعادة الاتصال بالنفس.
كما منحتني الإقامة في بلدي فرصة لقضاء وقت أطول مع عائلتي. جلسات السمر المسائية، الأحاديث العفوية، والضحكات التي تملأ المكان كانت بمثابة علاج دافئ يعوّضني عن ضغوط العام. حتى اللحظات الصامتة في البيت كان لها طابع خاص؛ شعرت خلالها بأن البيت ليس مجرد مكان، بل حالة من الهدوء والأمان.
وبالرغم من أن الإجازة لم تكن مليئة بالأحداث أو الرحلات، إلا أنها كانت ثرية بمعانيها. تعلّمت أن الاسترخاء ليس كسلاً، بل حاجة إنسانية تعيد ترتيب أفكارنا وتنعش أرواحنا. وأدركت أن البقاء في الوطن قد يكون أجمل قرار إن كنا نبحث عن الراحة الحقيقية التي لا نجدها إلا في الأماكن التي تشبهنا.
ومع قرب نهاية الإجازة، شعرت بأنني عدت إلى حياتي بطاقة جديدة ونفس مطمئنة. لقد كانت إجازتي هذا العام رحلة داخلية عميقة، لم أغادر فيها حدود بلدي ولا حدود بيتي، لكنها نقلتني إلى حالة من الصفاء لا يمكن لأي سفر بعيد أن يضاهيها .