الرياض يعيد تعريف مستقبل العمران
د/ طلال الحربي
قبل أيام فقط، اختتمت العاصمة السعودية الرياض فعاليات معرض سيتي سكيب العالمي 2025، وهو الحدث الذي لم يعد مجرد معرض عقاري تقليدي، بل تحول إلى منصة عالمية تختزل طموحات الرؤية السعودية الطموحة 2030. تحت شعار "مستقبل الحياة الحضرية"، وشهد المعرض الذي افتتحه معالي وزير البلديات والإسكان ماجد بن عبدالله الحقيل، إنجازات غير مسبوقة على مستوى الصفقات والحضور العالمي، مما عزز مكانة المملكة العربية السعودية كأكبر سوق جذب للتطوير العقاري في العالم.
بحضور ومشاركة رسمية رفيعة المستوى، افتتح معالي الوزير ماجد الحقيل فعاليات المعرض، مؤكدًا في كلمته أن سيتي سكيب أصبح منصة سعودية عالمية تعكس التطور العمراني والاقتصادي الذي وصلت إليه المملكة. وأوضح معاليه أن العمل في القطاع يسير وفق توجيهات القيادة لتحقيق طموحات رؤية 2030، التي وفّرت الدعم الكامل لتمكين القطاعين الحكومي والخاص من تقديم كل ما يلبي تطلعات المواطن ويرتقي بجودة الحياة في المدن.
لم تكن مشاركة الهيئة العامة للعقار مجرد حضور شكلي، بل جاءت كراع للمعرض، حيث استعرضت عبر جناحها الخاص منظومة التشريعات والأنظمة الحديثة التي تهدف إلى تطوير البيئة التنظيمية ورفع جاذبية الاستثمار في السوق العقاري السعودي.
سجل المعرض أرقامًا قياسية على كل المستويات، من عدد الزوار والحضور إلى حجم الصفقات التي تم الإعلان عنها، مما يجعله بجدارة أكبر معرض عقاري على مستوى العالم هذا العام.
وأعلن الوزير الحقيل أن إجمالي قيمة الصفقات العقارية التي تم تحقيقها خلال أيام المعرض تجاوز 237 مليار ريال سعودي (ما يعادل أكثر من 63 مليار دولار أمريكي). كما أشارت تقارير أخرى إلى أن الصفقات المرتقبة في المعرض تفوق 161 مليار ريال (43 مليار دولار)، وهو رقم قياسي يعكس حيوية السوق وقوة الثقة فيه.
فيما تجاوز عدد الجهات العارضة 550 جهة، وشارك في الفعاليات أكثر من 470 متحدثًا عالميًا ، فيما مثل الحضور أكثر من 120 دولة حول العالم. ويُعتبر هذا التجمع الضخم مؤشرًا واضحًا على الجاذبية العالمية التي تتمتع بها السعودية كمركز للاستثمار والابتكار العقاري.
لم يقتصر دور المعرض على كونه سوقًا للصفقات، بل كان منصة شاملة لاستعراض أحدث الاتجاهات والتقنيات التي ستشكل ملامح مدن المستقبل.
فقد شهد المعرض عرضًا واسعًا لمنتجات البروبتِك (التقنيات العقارية) التي تقدم حلولاً رقمية متقدمة في إدارة الأصول والتخطيط العمراني، إضافة إلى الابتكارات في تقنيات البناء الحديث. وأكد الوزير الحقيل على أن التحول الرقمي في القطاع العقاري السعودي، بما في ذلك تبني الذكاء الاصطناعي وأساليب البناء الحديثة، قد غيّر من تجربة العميل وقواعد الاستثمار معاً.
و على هامش المعرض، أعلنت الهيئة العامة للعقار عن إتمام أول عملية ترميز لصك الملكية عقاري في العالم تحت إشراف جهة تنظيمية، وإنشاء أول معايير ترميز عالمياً لهذا الغرض. يمثل هذا الابتكار تحولاً جذريًا في آليات تملك العقار وتداوله، وسيجعل المملكة من أوائل الدول التي تقنن مثل هذه الأنظمة المتطورة.
من ناحية أخرى، مثلت المشاريع السيادية الضخمة مثل "نيوم" و"القدية" و"الدرعية" جوهرة التاج في المعرض، حيث سلط الضوء على كيف تحولت هذه الأحلام من على الورق إلى واقع يُبنى بسرعة قياسية، مستفيدة من استثمارات تجاوزت 500 مليار دولار في السنوات الخمس الماضية.
و يأتي معرض سيتي سكيب 2025 في إطار مساعي المملكة لتعزيز الفرص الاستثمارية، وخلق بيئة جاذبة للمستثمرين من داخل المملكة وخارجها.
فقد كشف الوزير الحقيل عن أن حصة قطاع التشييد والبناء والعقارات من إجمالي التدفقات الداخلة للاستثمار الأجنبي المباشر بلغت 15.27%، مما يعكس المكانة المتنامية للقطاع كوجهة عالمية جاذبة.
فيما استعرضت هيئة العقار في جناحها النظام المحدث لتملك غير السعوديين للعقار، والمقرر دخوله حيز النفاذ في يناير 2026. يُعد هذا النظام خطوة محورية في تعزيز الانفتاح والجاذبية الاستثمارية للمملكة.
ولم تتعارض سياسة الانفتاح مع دعم المواطن، حيث ارتفعت نسبة تملك السعوديين للمسكن إلى أكثر من 65% بنهاية 2024، بفضل نمو التمويل العقاري الذي بلغ حجمه 960 مليار ريال. كما تساهم أنشطة البناء والعقار بما نسبته 13.8% من الناتج المحلي الإجمالي، وتوفر نحو 15.5% من إجمالي الوظائف في المملكة.
وبختام فعاليات سيتي سكيب العالمي 2025، يكون المعرض قد نجح في ترجمة الرؤية السعودية الطموحة إلى واقع ملموس، حيث لم يعد التطور العمراني في المملكة مجرد مشاريع بناء، بل تحول إلى "صناعة مدن لأجيال المستقبل" كما وصفه معالي الوزير الحقيل..
إن هذا النجاح المبهر ليس نقطة نهاية، بل هو محطة انطلاق نحو آفاق أوسع، حيث تظل المملكة، برؤية قيادتها ودقة تنفيذها، تقدم نموذجاً عالمياً فريداً في كيفية تحويل الرؤى الاقتصادية والتنموية الطموحة إلى واقع ملموس يصنع المستقبل.