"أوقاتٌ معلقة”
عبهر نادي
*يبدو أن الزمن أحيانًا يتصرف معنا وكأنه يراقبنا من بعيد، يختبر صبرنا ويبتسم لترددنا. يمشي ببطء حين نرجوه أن يسرع، ويندفع بقوّة حين نكون في أقل حالات جاهزيتنا. وفي المنتصف، نقف نحن في مساحة مبهمة لا نعرف هل هي لحظة انتظار… أم بداية العدّ النهائي الذي نهرول فيه دون أن نفكر كثيرًا.
*نقف في طوابير الانتظار بشيء يشبه الاستسلام، نتفقد هواتفنا، نتأمل الوجوه، ونترك الدقائق تمرّ. ثم حين يتحرّك الدور فجأة، نتصرف بدهشة واضحة. نبحث عن الأوراق ، عن رقم الطلب ، وعن الجملة التي سنقولها .
وكأننا لم نكن نعلم أن الساعة ستتحرك، نلتفت بحثًا عمّا نحتاجه، ونستعيد ما جئنا لأجله على عجل، حتى تبدو خطوة التقدم آخر ما حسبناه في لحظتنا تلك.
وبالمقابل! هناك بطولة صغيرة نكررها دائمًا في اللحظات الضيقة: نسلم أوراقنا قبل الإغلاق بثوانٍ، نصل إلى الموعد بخطواتٍ متلاحقة، ونقتحم المناسبات مع آخر نبضة للموسيقى. نؤمن بجرأة أن الوقت سيتمدد من أجلنا.
*الغريب أن هذه الظواهر ليست مجرد عادات متفرقة، بل مرايا تكشف علاقتنا الحقيقية بالوقت. نؤجل، ثم نتوتر. ننتظر ثم نتفاجأ. نعلّق آمالنا على “وقت لاحق”، لكنه يعود ليقف أمامنا ويذكّرنا بأننا كنا نستطيع الانتهاء منذ زمن.
*الانتظار يختبر هدوءنا الداخلي، والدقيقة الأخيرة تختبر أعصابنا وحدود قدرتنا على الادعاء بأننا نسيطر. وما بينهما مساحة نعيش فيها معظم يومنا دون إدراك. ننظم حياتنا حول اللحظات المؤجلة، وننسى أن البدايات غالبًا أسهل..
*ربما لا نحتاج أن نتخلى عن الانتظار، ولا أن نتوقف عن إنجاز الأمور في آخر لحظة؛ ما نحتاجه هو صلح صادق مع الزمن. فبعض اللحظات التي نؤجلها حتى النهاية… كانت تنتظرنا منذ البداية، بكل سلاسة وهدوء، لو أننا فقط حضرنا قبل أن ينتهي الوقت .