تعزيز الشراكة الاستراتيجية السعودية – الأمريكية
بقلم: د. محمد الأنصاري
أستاذ القانون الدولي والعلاقات الدبلوماسية
شكّلت الزيارة الرسمية التي قام بها سيدي صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز آل سعود، ولي العهد ورئيس مجلس الوزراء – حفظه الله – إلى الولايات المتحدة الأمريكية في 18 و19 نوفمبر 2025م، محطة استراتيجية في تاريخ العلاقات السعودية – الأمريكية، وعكست حرص الرياض على تعزيز شراكتها مع واشنطن بما يتوافق مع التحولات الدولية المتسارعة. وقد دلّ الاستقبال الرسمي الذي حظي به سموه في البيت الأبيض على المكانة المرموقة التي تحتلها المملكة في السياسة الدولية، إذ رحّب الرئيس دونالد ترامب بسمو ولي العهد ، مؤكدًا تقديره للدور المحوري الذي تلعبه المملكة في دعم استقرار المنطقة وتعزيز التوازن في الاقتصاد العالمي، فيما تبادل الجانبان رسائل تقدير تعكس متانة العلاقات وعمق التنسيق بين القيادتين.
وأظهر انعقاد القمة الثنائية مستوى عالياً من التوافق في الرؤى بين الجانبين، حيث تناولت المباحثات مستجدات التعاون في مجالات الدفاع والطاقة والتقنيات الحديثة والذكاء الاصطناعي والاستثمار، مع التركيز على استثمار التحولات العالمية لتعزيز الشراكات الاستراتيجية بين البلدين. وأوضح سمو ولي العهد أن زيارة الرئيس ترامب للرياض في مايو 2025 أسهمت في ترسيخ هذه العلاقة، مؤكداً أن المرحلة الراهنة تشهد اتساعاً ونضجاً أكبر لمسار التعاون بين المملكة والولايات المتحدة الأمريكية.
وقد تميزت الزيارة بتوقيع سلسلة من الاتفاقيات الاستراتيجية التي ترسخ التحالف طويل المدى، شملت اتفاقية الدفاع الاستراتيجي، وشراكة متقدمة في مجال الذكاء الاصطناعي، وبرنامج للطاقة النووية السلمية وفق أعلى المعايير الدولية. كما شمل الاتفاق إطاراً شاملاً لسلاسل الإمداد في المعادن واليورانيوم والمعادن الحرجة، وترتيبات لتسريع الاستثمارات السعودية في الولايات المتحدة وتعزيز التعاون المالي والفني، إضافة إلى مذكرة تفاهم في التعليم والتدريب لتطوير الكفاءات الوطنية. وتشكل هذه الاتفاقيات بمجموعها خارطة طريق مستقبلية تتسق مع أهداف رؤية المملكة 2030، وتعكس التحول النوعي في طبيعة التعاون بين البلدين.
وشهد منتدى الاستثمار السعودي – الأمريكي توقيع اتفاقيات ومذكرات تفاهم بقيمة تقارب 270 مليار دولار في مجالات الطاقة والصناعة والتقنية والبنية التحتية، بما يعكس مستوى الثقة المتبادلة ويؤكد الدور المحوري للمملكة في منظومة الاقتصاد العالمي. كما أجرى سمو ولي العهد لقاءات مع رئيس مجلس النواب مايك جونسون وعدد من قيادات الكونغرس، حيث تم بحث سبل تعزيز التعاون السياسي والتشريعي والدفاعي. وفي هذا السياق، أعلن الرئيس ترامب – بناءً على طلب سمو ولي العهد – إطلاق مبادرة أمريكية جديدة لدعم جهود إنهاء الصراع في السودان، في خطوة تؤكد ثقل المملكة ودورها القيادي في دعم الاستقرار السياسي الإقليمي.
وفي ختام الزيارة، تبادل سمو ولي العهد والرئيس الأمريكي رسائل تقدير متبادلة تعكس عمق العلاقة واستمراريتها، حيث عبّر سموه عن شكره للرئيس الأمريكي على حسن الاستقبال وكرم الضيافة، فيما أكد الرئيس ترامب تقديره لمكانة المملكة وأهمية شراكتها الاستراتيجية، مشيراً إلى تطلعه لتعزيز التعاون بين البلدين في مختلف المجالات.
وبذلك، تؤكد الزيارة أنها ليست مجرد محطة دبلوماسية عابرة، بل خطوة استراتيجية متكاملة تعزز مكانة المملكة الدولية وتنقل العلاقة السعودية – الأمريكية إلى مرحلة جديدة من العمق والتوازن والتنوع، وتضع أسسًا واضحة لشراكة شاملة ذات أثر عالمي في السنوات المقبلة.