خير الخليقة… قدوة الإنسانية الخالدة
أ.د. محمد مباركي
عضو مجلس الشورى وأكاديمي
يظلّ الحديث عن النبي محمد عليه الصلاة والسلام حديثًا عن أعظم شخصية صنعت تحولًا جذريًا في تاريخ الإنسانية. فالنبي الذي اتفق المسلمون على تسميته خير الخليقة لم يكن مجرد قائد ديني، بل كان نموذجًا أخلاقيًا وإنسانيًا ملهِمًا لا يزال أثره حاضرًا في وجدان البشر بعد أكثر من أربعة عشر قرنًا. جاء النبي عليه الصلاة والسلام برسالة هداية وعدل وشرع في زمن اختلطت فيه المفاهيم، وغابت فيه العدالة وعباده الله، فأرسى مبادئ تُعد اليوم أساسًا للقوانين الحديثة وحقوق الإنسان. دعا إلى المساواة بين البشر، وحرّر الإنسان من العبودية الفكرية والاجتماعية، ومنح المرأة مكانتها، وأعاد تنظيم الاقتصاد على أساس العدل والإحسان.
جمع النبي عليه الصلاة والسلام بين قوة القيادة ورقة المشاعر قائد بحكم وإنسان برحمة، فقد كان قائدًا سياسيًا وعسكريًا، لكنه كان ألين الناس قلبًا ، وأرحمهم بالبشر. كان يزور المرضى، ويمازح الأطفال، ويعفو عن أعدائه رغم قدرتِه على الانتقام. لم تكن سيرة النبي عليه الصلاة والسلام موجهة للعرب وحدهم، بل كانت رسالة عالمية تحمل مبادئ قابلة للتطبيق في كل زمان ومكان؛ منهج حياة للعالم كله من التسامح والإحسان وإتقان العمل، إلى إدارة الوقت وفن التعامل مع الناس.
وتزداد الحاجة في زمن الفوضى المعلوماتية إلى تقديم الصورة الصحيحة لخير الخليقة في الإعلام العالمي، صورة مشرقة في الإعلام المعاصر إبرازًا لخطاب الرحمة والتعايش الذي حمله عليه الصلاة والسلام والعلم والوحي ، ويمثّل العلم في المنظور الإسلامي قيمة عليا تنبع من مصدره الأول، الرسول العظيم عليه الصلاة والسلام، الذي وضع أسس المعرفة وبنى منهج الهداية الذي اقتدت به الأمة عبر العصور. ولم يكن دور الأئمة والعلماء الربانيين سوى امتداد لهذا النور، حيث حملوا رسالة العلم، وحفظوا تعاليم النبي، وقدّموا للناس فهمًا موثقًا للدين وأحكامه. ولهذا يؤكد المتخصصون أن العلم الأصيل لا يُستقى إلا من هذا السلسال النقي، بدءًا برسول الله عليه الصلاة والسلام ووصولاً إلى الأئمة الموثوقين الذين كرّسوا حياتهم لنقل العلم الصحيح. وبين هذا الامتداد تتشكل معالم نهضة معرفية خالدة، تجعل من العلم رسالة تتجاوز حدود الزمن، وتبقى أساسًا لبناء الوعي واستقامة المجتمعات.
يبقى النبي محمد عليه الصلاة والسلام خير الخليقة، ليس فقط لأنه مؤسس حضارة عريقة، بل لأنه المثال الأسمى للرحمة والعدل والتواضع والعلم وستظل سيرته منارة تهدي العالم مهما تعاقبت القرون.