|

العلاقات الدولية الأقوى بين القيم والمصالح المشتركة

الكاتب : الحدث 2025-11-16 04:07:25

بقلم د. بجاد البديري 
مستشار الشراكات والاتصال المؤسسي 


تشكّل التحالفات الدولية إحدى أهم أدوات التأثير في العالم المعاصر، ويظل سؤال أساس التحالف الأقوى حاضرًا في كل نقاش حول العلاقات بين الدول: هل تُبنى الشراكات المتينة على القيم المشتركة أم على المصالح المتبادلة؟. في التجارب المختلفة، يتضح أن التحالف القادر على الصمود يبدأ من توازن دقيق يدمج بين العمق القيمي والمنفعة الواقعية، فالأطراف التي تتقارب في رؤيتها للحياة، وفي مفهومها للعدالة، وفي احترامها للتنوع، تجد مساحة مريحة للحوار والعمل المشترك، ويصبح التواصل أكثر سلاسة، والقرارات أكثر اتزانًا.

تستمد التحالفات قوتها من وضوح نوايا الأطراف، ومن القدرة على التعبير عنها من خلال اتصال إنساني ومهني يراعي اختلاف الثقافات، فكلما توافرت الثقة، ازدادت مرونة التحالف، وازدادت قدرته على تجاوز التحديات السياسية والاقتصادية. وقد أظهرت الخبرات الدولية أن الحوار المستمر يضمن فهمًا أعمق للسياقات، حيث يؤدي هذا الفهم إلى تخفيف الالتباس، ويمنح الأطراف قدرة أكبر على تقدير مواقف بعضها، وكما يتيح هذا الحوار مساحة مفتوحة للإبداع في إيجاد حلول مشتركة لقضايا معقدة تتطلب تعاونًا طويل الأمد.

المصالح المشتركة تُعد ركيزة أساسية في بناء التحالفات، وتقدم دافعًا عمليًا لتطوير مشاريع واستراتيجيات مشتركة تحقق منفعة تبادلية، ومع ذلك، تظل القيم المشتركة عنصرًا يمنح التحالف عمقه الإنساني، ويجعله أكثر ثباتًا في مواجهة التقلبات، فالقوة الحقيقة لأي شراكة تظهر عندما تُبنى القرارات اعتمادًا على فهم متبادل، وإيمان بعدالة التعاون، واحترام خصوصية كل طرف، إضافة إلى رغبة صادقة في الارتقاء بالعلاقة إلى مستوى أعلى من الانسجام.

الاتصال الفعّال أصبح اليوم هو العنصر الجامع بين القيم والمصالح، إذ يربط المبادئ بالممارسات، ويترجم الرؤية المشتركة إلى واقع، فحين تتوافر قنوات تواصل واضحة، تستطيع الدول والمؤسسات التعامل مع المتغيرات بسرعة وبوعي أكبر، ويُطرح كل مشروع بشفافية وبدون مباغتة للطرف الآخر، ويمتد أثر التواصل الجيد إلى بناء انطباع إيجابي يعزز الصورة الذهنية لكل طرف، ويجعل التعاون أكثر سلاسة. إن التحالفات القوية تنمو مع الزمن، وتتطور من خلال التجارب، وتكتسب نضجها من الاتساق بين القيم والمصالح، ومن قدرتها على تعزيز الثقة عبر حوارات صادقة ومستمرة. وفي عالم يُعاد تشكيله باستمرار، تظل الشراكات التي تعتمد على اتصال إنساني محترف، ورؤية قيمية واضحة، ومنفعة متبادلة، هي القادرة على تقديم نموذج مستدام لتحالف يواجه التحولات بثبات ويصنع أثرًا طويل المدى.