|

عبارات شائعة… لكنها تحتاج وعيًا دقيقًا في استخدامها

الكاتب : الحدث 2025-11-15 05:07:15

بقلم: أ ــ فاطمة البشري

يتداول الناس يوميًا مجموعة من العبارات والجُمل التي أصبحت مألوفة في المجالس العامة ومنصات التواصل، تُقال غالبًا بدافع المجاملة أو التأثر أو التعبير العفوي. ورغم أن النية خلفها طيبة في معظم الأحيان، إلا أن بعض هذه الأقوال قد تحمل معاني غير دقيقة أو تفسيرات لا تتوافق مع المقصود الحقيقي لقائلها.

فمن العبارات التي شاع استخدامها مثل قول البعض: “الحمد لله حتى يبلغ الحمد منتهاه”، وهي صيغة شاع انتشارها للتعبير عن الامتنان، رغم أن بعض الصياغات قد توحي بمعانٍ لا تتفق مع التعبير اللغوي الدقيق. وينطبق الأمر نفسه على جملة: “الله يعطيك على قد نيتك”، إذ قد تُفهم بطرق مختلفة لا تُعبر بالضرورة عن مقصد قائلها، مما يجعل من الأفضل استخدام عبارات واضحة تُزيل الالتباس مثل: “جزاك الله خيرًا” أو “الله يعافيك” أو ما شابهها من عبارات عامة معتادة.

وفي سياق الأدعية المتداولة، قد تُستخدم تعبيرات مثل: “اجبرني جبرًا يتعجب منه أهل السماوات والأرض” أو “استودعتك همّي” على سبيل التعبير البلاغي أو التأثير العاطفي، لكنها في الحقيقة صيغ إنشائية لا تستند إلى دلالة لغوية دقيقة، وقد تحمل معاني لا تعكس حقيقة ما يرغب الشخص في قوله، مثل طلب السكينة أو تفريج الضيق. لذلك يبقى التعبير المباشر والواضح هو الأكثر دقة وملاءمة في الاستخدام.

كما تنتشر بعض العبارات التي تُنسب فيها الأفعال أو الفضل لجهات مختلفة بطريقة قد تُفهم بغير مراد صاحبها، مثل: “أصدقاؤنا أعطتنا إياهم الحياة” أو “لولا فلان ما نجحت”، وهي جمل تُستخدم مجازًا ولكن قد تحمل إيحاءات مبالغ فيها لغويًا. ويُفضّل دائمًا صياغة العبارات بأسلوب واقعي يعكس الجهود المشتركة أو الدعم المعنوي دون مبالغة في التعبير.

وتظهر كذلك تعبيرات ترتبط بمشاعر الغضب أو الضيق، كقول البعض: “يوم عرفتك كان أسوأ يوم”، وهي جُمل نابعة من انفعال لحظي ولا تعبّر عن حقيقة العلاقة أو الموقف، بل قد تترك أثرًا سلبيًا على المتلقي. وتُعد هذه الصيغ مثالاً على أهمية ضبط العبارات التي تُقال بدافع التوتر، واستبدالها بتعابير ألطف وأكثر اتزانًا.

إن هذه الأمثلة وغيرها تعكس حاجة ملحّة لتعزيز الوعي بالكلمة قبل إطلاقها. فالكلمات تحمل أثرًا يتجاوز اللحظة التي تُقال فيها، وقد تترك في نفس المتلقي شعورًا إيجابيًا أو سلبيًا بحسب صياغتها. ومع اتساع فضاءات التعبير في عصر وسائل التواصل، يصبح من المهم أن تكون اللغة التي نستخدمها دقيقة وواضحة ومتناغمة مع الذوق العام.

وكل شخص يقول هذه العبارات حسب نيته ومقصده، ولا يُلام أحد على اجتهاده في التعبير ما دام القصد سليمًا. غير أن إعادة النظر في بعض الصيغ الشائعة، وانتقاء بدائل أكثر وضوحًا ولطفًا، يعزز جودة التواصل ويجعل رسائلنا أكثر تأثيرًا وعمقًا. فالكلمة ليست مجرد صوت، بل مسؤولية تُجسّد وعي المتحدث وتُبرز طريقة تفكيره في التعامل مع الآخرين.