"السعودية في قمة مجموعة السبع G7" وتأثيرها العالمي الواضح
بقلم: د. محمد الأنصاري
أستاذ القانون الدولي والعلاقات الدبلوماسية
--------------------------------
لم تعد قمم صنع القرار حكرًا على الغرب، بل باتت المنابر العالمية تبحث عن صوت الشرق العقلاني، وصوت التوازن الذي يجمع بين الرؤية والمصلحة والمسؤولية.
في خطوة تعكس حجم التأثير السعودي المتنامي على الساحة الدولية، وجّهت كندا دعوة رسمية إلى المملكة العربية السعودية لحضور قمة مجموعة السبع (G7) في نوفمبر 2025، التي تضم أقوى سبعة اقتصادات في العالم، والتي تُعد واحدة من أبرز المنصات العالمية في صنع القرار السياسي والاقتصادي والدولي.
وجاءت هذه الدعوة تتويجًا لجهود دبلوماسية نشطة قادها صاحب السمو الأمير فيصل بن فرحان، وزير الخارجية، الذي شارك في اللقاءات التحضيرية والتنسيق مع الجانب الكندي، بما يعكس حيوية السياسة الخارجية السعودية وقدرتها على بناء شراكات متوازنة مع القوى العالمية الكبرى.
هذه الدعوة ليست مجاملة دبلوماسية ولا بروتوكولاً عابرًا، بل تمثل إقرارًا دوليًا صريحًا بالدور القيادي الذي باتت تضطلع به المملكة على المستوى العالمي، سواء في ملفات الاقتصاد والطاقة أو قضايا الأمن الإقليمي والاستقرار الدولي. فمثل هذه الدعوات لا تُوجَّه إلا للدول التي تمتلك موقع التأثير الحقيقي في توازنات العالم، وليس لأولئك الذين يكتفون بالمناورة من الهامش أو يفاوضون في الظل ويُصعّدون في الضوء.
قمة مجموعة السبع، بطبيعتها، لا تستضيف إلا الدول التي ترى في حضورها ضرورة استراتيجية، بسبب ثقلها السياسي أو إسهامها في معالجة القضايا الكبرى. ومن هذا المنطلق، فإن دعوة المملكة العربية السعودية تمثل دلالة واضحة على أنها باتت جزءًا من معادلات التأثير وصنع القرار، لا من قائمة المتلقين أو المراقبين. فالحضور هنا ليس رمزيًا، بل جوهريًا، مرتبطًا بحجم الفاعلية والقدرة على تحريك الملفات الدولية.
ولعل أحد أبرز الأسباب التي تجعل مجموعة السبع حريصة على وجود المملكة على طاولة الحوار الدولي هو موقعها المحوري في أمن الطاقة العالمي. فالمملكة تُعد من أكبر منتجي ومصدّري النفط في العالم، وتلعب دورًا رئيسيًا في استقرار أسواق الطاقة من خلال تحالف “أوبك بلس” وسياساتها المتوازنة التي تراعي مصالح المنتجين والمستهلكين على حد سواء. هذا الحضور في سوق الطاقة لا ينعكس فقط على الأسعار، بل على استقرار الاقتصاد العالمي بأسره، ما يجعل وجود السعودية في قمة مجموعة السبع G7 أمرًا يتجاوز الرمزية ليصبح ضرورة استراتيجية تفرضها حقائق الواقع.
وفي السياق ذاته، حملت مشاركة المملكة العربية السعودية في قمة مجموعة السبع بعدًا متعدد الأطراف، إذ جاءت بدعوة رسمية من كندا للمشاركة في النقاشات حول قضايا عالمية معقدة، مثل التحول نحو الطاقة النظيفة، وتعزيز أمن الإمدادات، واستقرار سلاسل التوريد. فالسعودية اليوم لا تمثل فقط قوة نفطية، بل شريكًا محوريًا في تشكيل رؤية عالمية أكثر توازنًا وشمولية.
فتح هذا الحضور الباب أمام المملكة، ليس فقط لتأكيد موقعها في طاولة الحوار الدولي، بل لبدء مسار أعمق من الشراكة مع دول المجموعة في مجالات الطاقة المتجددة والمعادن الحرجة وسلاسل التوريد العالمية — ما قد يجعلها لاعبًا مركزيًا في تشكيل التحالفات المستقبلية لتوازن الاقتصاد والأمن.
المملكة، بقيادة سمو سيدي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، لم تعد تُقاس فقط بثرواتها أو موقعها الجغرافي، بل بما تقدمه من مشاريع استراتيجية تغيّر وجه المنطقة والعالم، وفي مقدمتها “رؤية السعودية 2030”، التي أعادت تعريف الدور السعودي وفق أسس من الاستدامة، والابتكار، وتنويع الاقتصاد، وقيادة التحولات التنموية إقليميًا وعالميًا. هذه الرؤية الطموحة، والتي بدأت تؤتي ثمارها على المستويات كافة، عززت من حضور المملكة بوصفها شريكًا حقيقيًا لا يمكن تجاوزه في صناعة المستقبل.
كما أن توقيت هذه الدعوة يأتي في لحظة دقيقة من التحولات الجيوسياسية، حيث يُلاحظ تراجع لبعض الأدوار الإقليمية التي باتت ترتكز على خطاب الصدام أو الاعتماد على الدعم المشروط، في مقابل صعود المملكة كقوة عقلانية متزنة، تعمل بندّية، وتدير علاقاتها بشفافية واستقلالية، دون اللجوء إلى لغة الابتزاز السياسي أو المناورة المؤقتة.
إن دعوة المملكة العربية السعودية لحضور قمة مجموعة السبع ليست فقط اعترافًا بمكانتها المتقدمة، بل هي أيضًا إشارة إلى منطق عالمي جديد يتشكل: من يملك الرؤية والقرار يُدعى إلى طاولة الكبار، ومن يفتقر إلى هذا التأثير، مهما علا صوته أو كثرت مناوراته، سيظل بعيدًا عن مراكز التأثير الفعلي. وهذه الدعوة تؤكد أكثر من أي وقت مضى أن العقلانية والتوازن ركيزة المشاركة الفاعلة في صناعة مستقبل العالم.