|

( مربع المصالح )

الكاتب : الحدث 2025-11-14 05:34:01

مها النصار ✍️

أتعجّبُ – وأحيانًا أأسف – من كثرة من حصروا ثمار العبادات في مكاسب الدنيا وحدها ، فإذا صلّوا ربطوا الصلاة بصلاح الأبناء ، وإذا تصدّقوا علّقوا رجاءهم باستقامة الأزواج،وإذا أكثروا من الطاعات جعلوها مفتاحًا للوظائف والرزق وتيسير شؤون الحياة.
وكأن العبادة عقدُ تبادل، وشرطٌ لا يتمّ إلا بشروط…
وكأنهم رسموا لله طريقًا - معاذ الله - وحدّدوا للثواب وجهةً، وبنوا لأنفسهم تصورًا لا ينسجم مع حكمة السماء.
حتى غدت العبادة عندهم أشبه بمقايضة ، ومعاملةٍ لها شروط، ومعادلةٍ لا تكتمل إلا إذا جاءتهم الإجابة على مقاس الهوى،وكأنهم ضيّقوا رحمة الله في مربع مصالحهم،
ولو تأملنا  سِيَر الأنبياء – صفوة الخلق وخير من عُبد الله على الأرض – لعلمنا  أن الطريق مختلف و أوسع  من ذلك بكثير.
فهؤلاء الأنبياء، على علوّ قدرهم، ابتُلوا بأبناءٍ  وزوجات خالفوا هديهم،و لم تُجْرِ الأعمال كما تمنّوا، ومع ذلك ظلّت رسالتهم سامقة، وإيمانهم كاملًا، وثوابهم أعظم مما يتخيله بشر.

فهل بعد مقام النبوّة مقام؟
ومع هذا… لم تُقَاس أعمالهم بمردود دنيوي، بل بصدق السعي ونقاء التوجّه.
 في الحقيقة هناك معنى خفيٌّ يكاد يغيب في زماننا:أننا أمة السعي لا أمة النتائج.
سنُسأل عن الجهد، عن الخطوة، عن النية ، أما الحصاد فليس لنا يدٌ في رسمه، ولا حقٌّ في اشتراطه، فهو من حكمة الله وعدله ورحمته.يُعطي بغير حساب،ويمنع بلطف،ويُؤخّر لحكمة، ويُقدّر بميزانٍ لا يختلّ أبدًا.
لقد ابتعد العقل عن الآخرة حتى صارت الدنيا تطفو على السطح،وتراجعت الآخرة إلى الخلف، وانزوى ذلك الامتداد البعيد الذي خُلق الإنسان لأجله حتى صار بعض الناس يعبدون الله وكأنما الدين نزل للدنيا وحدها… ولشدّ ما ابتعدت المسافات حين اختزل البعض الدين في معادلات دنيوية حتى توارَت الآخرة في زوايا النسيان،وبقيت الدنيا في المشهد ، تغمر القلوب، وتطفئ نور ذلك الامتداد العظيم الذي خُلقنا له.ونسوا أن أوّل الطريق هنا،
ولكن آخره هناك… 
هناك حيث المقام الحقّ، والنور الذي لا يخبو، والخلود الذي لا يُحد .