|

من شراكة عمر إلى صفقة ماليّة

الكاتب : الحدث 2025-11-13 01:29:12

نايف العجلاني

قال رسول الله ﷺ:
“تزوجوا فإنّي مكاثرٌ بكم الأمم، ولا تكونوا كرهبانية النصارى.”

لا يخفى على كل فطين أن للزواج أهدافًا سامية وثابتة، لا ينبغي أن تغيب عن أذهاننا، وعلى رأسها التناسل وتكوين الأسرة؛ فهذا هو المعنى الحقيقي للزواج، وجوهره الإنساني والاجتماعي عبر الزمن.

إلا أنّ الزواج في يومنا هذا تحوّل عند بعض النساء إلى صفقة عمر؛ صفقة تضيع فيها قدسية التناسل بين حسابات الجيوب، وتستغل فيها بعض الفتيات هذا الرباط المقدّس لتأمين مستقبل مالي وتحقيق “الحرية المالية”، وكأنهنّ يدرسن عرضًا وظيفيًا لا شراكة حياة.

لقد أصبح المال للأسف المعيار الأول لدى البعض للموافقة أو الرفض. كم يملك؟ هل يستطيع أن يؤمّن لي الرفاهية؟ وماذا لو فشل الزواج؟ كيف أستفيد منه بأقصى قدر ممكن؟ وكأن العلاقة الزوجية أصبحت مشروعًا استثماريًا يخضع لمعادلات المكسب والخسارة.

ومما يؤسف له كذلك انتشار ما يُعرف بـ الاستحقاق العالي؛ حيث ترى بعض الفتيات أنهنّ يستحققن امتيازات ومعاملة مثالية دون بذل الحد الأدنى من الجهد أو المشاركة. وتحت هذا المفهوم تُرفع المعايير إلى حدود غير واقعية، ويُطالب الخاطب بأن يلبّيها وإلا “فليبحث عن غيرها”.

وهكذا أصبح المال هو الفيصل الأول في كثير من الزيجات، متقدمًا على الشهامة والمروءة والمبادئ. بل إن البعض يتغاضى عن عيوب الرجل وخلله ما دام يمتلك المال القادر في نظرهن على تلميع أي شوائب.

المثير للعجب أن فتيات اليوم رغم التمكين وفرص التعليم والعمل يبحثن عن الأمان المالي من خلال الزواج، بينما فتيات الأمس، اللواتي كانت فرصهن أقل بكثير، لم ينظرن إلى الزواج كصفقة تجارية أو مشروع ربحي، بل كرباط مقدس، ومعناه الأول التناسل وتكوين الأسرة.

ومع ذلك، فإن الإنصاف واجب؛ فهناك من فتيات هذا الجيل من نرفع بهن الرأس، ممن استغللن التمكين استغلالًا راقيًا، ووقفن جنبًا إلى جنب مع أزواجهن، يشاركنهم مصاريف الحياة ومسؤولياتها، ويصنعن نموذجًا جميلًا للتكامل والشراكة.