|

الدبلوماسية السعودية.. لغة العقل في زمن الأزمات

الكاتب : الحدث 2025-11-11 01:42:35

بقلم: د. محمد الأنصاري
أستاذ القانون الدولي

————————————————
بينما يتأرجح الإقليم على حافة الأزمات، اختارت السعودية طريقًا مختلفًا… طريق العقل.

في عالمٍ تتصاعد فيه لغة القوة على حساب الحوار، تبرز الدبلوماسية السعودية كصوتٍ متزنٍ يعبر عن الحكمة والاتزان. فوسط الاضطرابات السياسية التي يشهدها الإقليم والعالم، حافظت المملكة على نهجٍ راسخٍ يوازن بين الثوابت الوطنية ومتطلبات الواقع الجديد، لتصبح نموذجًا لدبلوماسيةٍ مسؤولةٍ تسعى إلى بناء الجسور، لا إشعال الخلافات.

منذ تأسيسها، اتسمت السياسة الخارجية للسعودية بثبات المبادئ ومرونة الأساليب، فهي تنطلق من قناعةٍ راسخةٍ بأن السلام هو الطريق الأقصر نحو التنمية، وأن الحوار أداةٌ لحل الخلافات لا وسيلةٌ للتنازل عن الحقوق. هذا النهج المتوازن مكّن المملكة من أن تكون طرفًا موثوقًا به في العلاقات الدولية، وصوتًا يدعو إلى الاعتدال في وقتٍ تشتد فيه الاستقطابات السياسية.

وتبرز ملامح الدبلوماسية السعودية بوضوحٍ في تعاملها مع أزمات المنطقة، حيث تلعب دور الوسيط العاقل والساعي إلى الحلول الواقعية. فقد قادت جهودًا كبيرةً لدعم الاستقرار في اليمن، وساهمت في تهيئة بيئة الحوار بين الأطراف السودانية، وعملت على مساندة لبنان في تجاوز أزماته السياسية والاقتصادية، كما دعمت كل مسعى عربي ودولي يهدف إلى وقف نزيف الصراعات وتعزيز التعاون الإقليمي. هذه التحركات لم تكن انعكاسًا لمصالح ضيّقة، بل تأكيدًا لدور المملكة كقوة استقرارٍ في محيطٍ مضطرب.

وعلى الصعيد الدولي، تتبنى السعودية سياسة انفتاحٍ متوازنٍ تنسجم مع رؤية 2030، التي أعادت صياغة مفهوم القوة من الاعتماد على النفط إلى تنويع الشراكات الاقتصادية والسياسية. فقد أصبحت المملكة اليوم شريكًا فاعلًا في مجموعة العشرين، وصوتًا مؤثرًا في قضايا الطاقة والمناخ والتنمية المستدامة، مما عزّز مكانتها كقوةٍ مسؤولةٍ تسهم في تشكيل مستقبلٍ أكثر استقرارًا للعالم.

لقد استطاعت السعودية أن تجعل من الحوار دبلوماسيةَ عمل، ومن الواقعية مدرسةً سياسية، الأمر الذي جعلها محورًا أساسيًا في صياغة التوازن الإقليمي. هذه الرؤية المتزنة تمنح السياسة للمملكة مصداقيةً عالمية، وتُظهر فهمًا عميقًا لديناميات المنطقة. إنّ الدبلوماسية السعودية تعبّر عن جيلٍ جديدٍ من القيادة السياسية، التي ترى أن النفوذ الحقيقي لا يُقاس بحجم القوة العسكرية، بل بقدرة الدولة على بناء الثقة وإرساء التوازن في محيطها الإقليمي والدولي.

وفي زمنٍ تتراجع فيه لغة الحوار، تبرهن السعودية أن العقلانية هي أقوى أدوات التأثير، وأن صوت الحكمة لا يقتصر على المؤتمرات أو البيانات الرسمية فحسب، بل يظهر أيضًا في المواقف العملية والثابتة التي تصنع الفارق رغم الاضطرابات السياسية. وبين تقلبات المنطقة وتغيّر موازين القوى، تظل المملكة ركيزةَ استقرارٍ وميزانَ اتزانٍ في عالمٍ يبحث عن صوتٍ صادقٍ يقوده نحو السلام.