تحالف الضوء: رسم مستقبل الطاقة المستدامة بين السعودية وماليزيا
بقلم: د. محمد الأنصاري
أستاذ القانون الدولي
——————————————
في مشهد دبلوماسي يجسّد عمق العلاقات المتنامية بين المملكة العربية السعودية وماليزيا، حلّ ملك ماليزيا السلطان إبراهيم إسكندر ضيفًا على الرياض في 4 نوفمبر 2025م، في زيارة رسمية وُصفت بالتاريخية، كونها الأولى من نوعها منذ أكثر من أربعة عقود. جاءت هذه الزيارة لتؤكد المكانة المتصاعدة التي تحتلها المملكة في محيطها الآسيوي، ولتفتح آفاقًا جديدة للتعاون في مجالات الاقتصاد والطاقة والاستثمار، في ظل التحولات العالمية المتسارعة نحو الاستدامة ومصادر الطاقة النظيفة. ومنذ لحظة وصول الملك الماليزي إلى العاصمة الرياض، بدا واضحًا أن هذه الزيارة ليست بروتوكولية فحسب، بل تحمل في طياتها طموحًا مشتركًا لتأسيس تحالف استراتيجي يرسم ملامح مرحلة جديدة في تاريخ العلاقات بين البلدين. وقد حظي السلطان إبراهيم باستقبال رسمي حافل يعكس عمق التقدير المتبادل، حيث كان في مقدمة مستقبليه صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز آل سعود، ولي العهد رئيس مجلس الوزراء، الذي رحب بالضيف الكريم بحفاوة تليق بعلاقات تمتد جذورها إلى ستة عقود من التعاون والتقارب في الرؤى والمصالح.
لقد جاءت هذه الزيارة في توقيت دقيق تشهد فيه المنطقة والعالم تحولات كبرى في موازين الاقتصاد والطاقة، حيث تتقدم السعودية بثبات في قيادة مسار التحول نحو الاستدامة ضمن رؤية المملكة 2030، فيما تسعى ماليزيا من جانبها إلى تعزيز موقعها كمركز آسيوي للطاقة المتجددة والتقنيات الخضراء. هذه المصالح المتقاطعة جعلت من اللقاء بين القيادتين أكثر من مجرد تقارب دبلوماسي؛ إنه تحالف استراتيجي يرسم ملامح طاقة الغد ويعكس إدراكًا عميقًا للتحديات المشتركة في عالم ما بعد النفط.
وضمن هذا الإطار، تم خلال الزيارة الإعلان عن مذكرة تفاهم استراتيجية تقدَّر قيمتها بنحو 10 مليارات دولار، تستهدف تطوير مشروعات للطاقة المتجددة في ماليزيا بحلول عام 2040، بقيادة شركة “أكوا باور” السعودية، وبالتعاون مع جهات ماليزية رائدة في مجال الطاقة النظيفة. وتشمل هذه المذكرة خططًا لمشروعات الطاقة الشمسية والرياح وتحلية المياه، بما يعزّز مكانة السعودية بوصفها رائدًا عالميًا في تصدير الخبرات والاستثمارات في مجال التحول الأخضر.
ولم يقتصر التعاون على الطاقة فحسب، بل شمل مجالات أخرى مثل التقنيات الحديثة، والصناعات المستقبلية، والتعليم، وتبادل الخبرات في الابتكار، في خطوة تؤسس لشراكة متكاملة تقوم على نقل المعرفة، وتمكين الكفاءات الوطنية في البلدين. هذه الرؤية المشتركة بين الرياض وكوالالمبور تتقاطع بوضوح مع مبادرات المملكة العالمية مثل “مبادرة الشرق الأوسط الأخضر” ومشروعات الطاقة المتجددة في نيوم، ما يعكس اتساق التحالف الجديد مع سياسة سعودية أوسع تسعى إلى قيادة الجهود الدولية في مجال المناخ والاستدامة.
إن ما شهدته الرياض خلال هذه الزيارة التاريخية ليس مجرد لقاء رسمي بين قائدين، بل هو إعلان صريح عن ولادة تحالف اقتصادي واستراتيجي جديد يُعيد تعريف موازين الشراكة في آسيا والعالم الإسلامي، تحالف يقوده الإيمان بالمستقبل والطموح المشترك لبناء عالم أكثر استدامة وازدهارًا.
وبهذا، تفتح الزيارة صفحة جديدة في سجل العلاقات السعودية الماليزية، وتؤكد أن التحالف بين القوتين الآسيويتين لم يعد خيارًا تكتيكيًا، بل مسارًا استراتيجيًا طويل الأمد يرسم ملامح الغد المشرق، ويُجسّد رسم مستقبل الطاقة المستدامة.