حادثة الهايكنق… دعوة لإرساء ثقافة السلامة في البيئات الطبيعية
بقلم ــ فاطمة آل مبارك
في السنوات الأخيرة، نشهد إقبال متزايد لممارسة رياضة الهايكنج والمشي الجبلي ورحلات التخييم والاستكشاف فى الصحاري ،وكذلك الغوص والإبحار والصيد، ومغامرات الطيران الشراعي والمناطيد ،من منطلق حب المغامرة والاكتشاف، غير أن هذا الشغف، حين يفتقر إلى الوعي والاستعداد، قد يتحول إلى خطر يهدد الأرواح ولعل الحادثة المؤلمة التي شهدتها إحدى المناطق الجبلية مؤخر قبل أيام،و تداولتها وسائل الإعلام المحلية عن وفاة شاب أثناء ممارسته رياضة الهايكنق تذكير لنا أن هذة الحوادث ليست الأولى، ولن تكون الأخيرة ما لم تتجذر ثقافة السلامة في وعينا الجمعي .
البيئات الطبيعية محفوفة بالمخاطر التضاريس الوعرة والصخور الحادة والممرات الضيقة والكثبان الرملية والمسارات الغير محددة ،الامواج المفاجئة والتيارات القوية لا ترحم أي خطأ ,كما أن الأحوال الجوية المتقلبة تمثل أحد أبرز عوامل الخطر أثناء الرحلات، من عواصف رعدية، رياح قوية أو عواصف ترابية، أمطار غزيزة سيول جارفة ، أو حرائق كذلك لا يمكننا إغفال ما تشكله الحيوانات البرية أوالكوارث الطبيعية من تهديد إضافي، فضلًا عن بعض النباتات التي تحمل أشواك أو سموم قد تسبب إصابات خطيرة .
ومع كل هذه المخاطر، يظل الخطأ البشري والإهمال العامل الأكثر تأثير في وقوع الحوادث فالتحدي الحقيقي في البيئات الطبيعية لا يكمن في وعورة المكان فحسب، بل في غياب الوعي والفهم العميق للمخاطر فالإنسان الذي يستهين بالتحذيرات ويظن أن خبرته الشخصية تكفي لحمايته، يضع نفسه والآخرين في مواجهة خطر كان يمكن تفاديه بالوعي والانضباط.
وهكذا بين شغف المغامرة وغياب الوعى تتكشف الحاجة إلى منظومة سلامة متكاملة وهنا وقفة شكر وتقدير للجهات المعنية أذ لا يمكن إغفال الجهود الكبيرة التي تبذلها في تعزيز منظومة السلامة داخل البيئات الطبيعية من تطوير أنظمة الرصد الجوي، وتكثيف فرق الدفاع المدني، إلى إطلاق حملات التوعية والتحذير المسبق هذه الجهودوغيرها أسهمت في خفض العديد من الحوادث وإنقاذ الأرواح، لكن نظل بحاجة إلى منظومة أكثر شمول واتساق مع حجم المخاطر المتزايدة في البيئات البرية والجبلية والساحلية.
لذا ندعو الجهات المعنية الى تبنى نظام إنذار ذكي متكامل يبدأ من الطرقات في المدن ويصل إلى حدود الجبال والصحارى" بشاشات عرض مخصصة للنشرات الجوية والرسائل التحذيرية "باللون الأحمر في مواقع بارزة داخل المدن وعلى مداخل ومخارج المنتزهات للأسهام في رفع الوعي الفوري لدى الزائرين ويستكمل بتركيب" أجهزة إنذار مبكر تعمل بالطاقة الشمسية" في المناطق الجبلية والسهول والصحارى، ترصد التغيرات المناخية المفاجئة وتطلق تنبيهات صوتية وضوئية عند اقتراب العواصف أو السيول أو ارتفاع الأمواج والعمل على تطوير البنية التحتية، إنشاء ممرات آمنة ولوحات إرشادية دقيقة، إلى جانب تفعيل الرقابة الميدانية وتطبيق العقوبات على المخالفين للأنظمة البيئية، وتمكين المرشدين البيئيين في المواقع السياحية والطبيعية ليكونوا خط الدفاع الأول
وعلى المدى البعيد، يعد إدماج مفاهيم السلامة البيئية في المناهج التعليمية والإعلام الوطني ركيزة أساسية لبناء وعي مجتمعي مستدام .
وفي نهاية المطاف، تبقى ثقافة السلامة مرآة لمدى وعي الإنسان بحدوده أمام الطبيعة فالمكان لا يؤذي من يحترمه، والخطر لا يقترب ممن يدرك قوانينه ،و إن بناء منظومة سلامة متكاملة ليس مجرد حماية للأرواح، بل تجسيد لقيمة الحياة ذاتها، ولعلاقة أكثر نضج بين الإنسان وبيئته.