"أجفند" بصمة إنسانية
د.طلال الحربي
.
يُمثِّل برنامج الخليج العربي للتنمية (أجفند) نموذجاً فريداً للعمل التنموي المؤسسي، تجسَّد من خلال رؤية مؤسِّسه الأمير طلال بن عبد العزيز، الذي استشرف بأفكاره مستقبل التنمية البشرية قبل عقود، وترك إرثاً تنموياً ثرياً يواصل نجله الأمير عبد العزيز بن طلال قيادته وتطويره، ليبقى هذا الصرح شاهداً على رحلة إنسانية متجددة تهدف إلى تمكين الإنسان وتحقيق العدالة الاجتماعية.
آمن الأمير طلال رحمه الله(١٩٣١-٢٠١٨) بأن التعليم هو حجر الزاوية لتحقيق التنمية في جميع المجالات، وكان يرى أن أنظمة التعليم في العالم العربي لم تحقق الأهداف المرجوة بسبب اعتمادها على نقل التجارب الأوروبية أو الاستمرار في النظم التقليدية، مما يستدعي وضع رؤية سليمة تحقق التوسع والجودة معاً . وقد تجلَّت هذه الرؤية في مشاريعه التنموية التي أسسها عبر برنامج الخليج العربي للتنمية (أجفند).
انطلقت فلسفة الأمير طلال من إتاحة الفرص للجميع، خاصة للمحرومين ومن فاتتهم فرص التعليم، حيث رأى أن التعليم حق أساسي وجزء من العدالة الاجتماعية، وهو ما ظهر جلياً في تأسيسه للجامعة العربية المفتوحة التي هدفت إلى إزالة الحواجز أمام الشباب العربي للالتحاق بركب العلم والمعرفة .
عُرف الأمير طلال بحرصه من أجل تمكين المرأة من حقوقها كاملة، وكان من الداعين المبكرين لمساواة الفرص بين النساء و بين الرجال ، حيث أسس مركز المرأة العربية للتدريب والبحوث (كوتر) كأحد مؤسسات أجفند التي تهدف إلى تطوير وضع المرأة في العالم العربي .
تأسس برنامج الخليج العربي للتنمية "أجفند" عام ١٩٨٠ بمبادرة من الأمير طلال بن عبد العزيز، بهدف دعم جهود التنمية البشرية المستدامة في دول العالم النامي، من خلال دعم مشاريع وبرامج تنموية مبتكرة بالشراكة مع منظمات الأمم المتحدة والمنظمات الأهلية .
وكانت الرؤية والأهداف الاستراتيجية لأجفند:
· الرؤية: "مجتمع يتمتع فيه كل فرد، دون تمييز، بحقوقه في الحياة الكريمة والتنمية".
· الأهداف: تحسين جودة الحياة للفئات الأكثر احتياجاً، مع التركيز على الطفولة، المرأة، الشباب، وذوي الاحتياجات الخاصة.
· المجالات: دعم مشاريع في مجالات التعليم، الصحة، مكافحة الفقر، تمكين المرأة، وحماية البيئة.
و أسس أجفند خلال مسيرته العديد من المؤسسات التنموية المتخصصة التي شكلت منظومة متكاملة للتنمية البشرية، منها:
· الجامعة العربية المفتوحة: أسست عام ٢٠٠٢ بهدف إتاحة التعليم العالي للجميع، خاصة من فاتتهم الفرصة، وتعمل حالياً في عدة دول عربية وتخدم آلاف الطلاب، وقد أكد الأمير عبد العزيز بن طلال أن فلسفتها تقوم على "أن تكون رافداً داعماً للجامعات وليس منافساً لها" .
· المجلس العربي للطفولة والتنمية: تأسس عام ١٩٨٧ بمبادرة من الأمير طلال، ويرأسه الآن الأمير عبد العزيز بن طلال، ويهتم بوضع سياسات وبرامج تنمية الطفولة المبكرة في العالم العربي .
· مركز المرأة العربية للتدريب والبحوث (كوتر): يهدف إلى تحسين وضع المرأة العربية من خلال التدريب وإجراء الدراسات و التوصيات.
· جائزة الأمير طلال الدولية للتنمية البشرية: كانت تسمى سابقاً "جائزة برنامج الخليج العربي العالمية للمشروعات التنموية الرائدة"، وتهدف إلى تحفيز الابتكار في مجال التنمية .
ويتولى الأمير عبد العزيز بن طلال (مواليد ١٩٨٢) رئاسة أجفند منذ أكتوبر ٢٠٢٠، كما يرأس مجلس أمناء الجامعة العربية المفتوحة والمجلس العربي للطفولة والتنمية ومركز المرأة العربية للتدريب والبحوث، مما يضمن استمرارية الروية والنهج الذي أسسه والده رحمه الله .
و يسعى الأمير عبد العزيز إلى تطوير مؤسسات أجفند لتواكب المتغيرات المعاصرة، حيث أشار في إحدى الجلسات الحوارية إلى أن "العمل جارٍ حالياً على تطوير الجامعة العربية المفتوحة وتقديم نموذج جديد" يلبي احتياجات العصر .
كما يؤكد الأمير عبد العزيز في كل مناسبة على التمسك بالرؤية التأسيسية لأجفند التي تقوم على إتاحة التعليم والتمكين للجميع، معتبراً أن "التعليم والتمكين وجهان لعملة واحدة، فلا تمكين بلا تعليم ولا تعليم دون تمكين" .
و يتمتع أجفند بشبكة واسعة من الشراكات الدولية التي تعزز من تأثيره التنموي، منها:
· الشراكة مع مكتبة الإسكندرية: وقَّع أجفند مؤخراً بروتوكول تعاون مع مكتبة الإسكندرية يهدف إلى تعزيز التعاون العلمي والثقافي، حيث أكد الدكتور أحمد زايد مدير المكتبة أن "هذا التعاون له دلالات عميقة نتيجة التشجيع الذي تلقاه من سمو الأمير عبد العزيز بن طلال"، مشيراً إلى أن أهداف أجفند "تتلاقى وتتعانق مع الأهداف التي تسعى مكتبة الإسكندرية لتحقيقها" في مجالات الطفولة والمرأة والتنمية المستدامة .
· الشراكة مع صندوق النقد العربي: وقَّع أجفند مذكرة تفاهم مع صندوق النقد العربي بهدف تنسيق الجهود في تعزيز التنمية الاقتصادية في الدول العربية .
يظل برنامج الخليج العربي للتنمية (أجفند) شاهداً حياً على رؤية تنموية إنسانية فريدة، تجسَّدت في شخصية الأمير طلال بن عبد العزيز الذي سبق عصره بأفكاره ومبادراته، وتمتد اليوم من خلال قيادة نجله الأمير عبد العزيز بن طلال الذي يحمل لواء هذا الإرث ويطوره ليواكب متطلبات العصر.
لقد نجح أجفند في تحقيق استدامة فريدة، ليس فقط في مشاريعه التنموية، بل في انتقال القيادة والحفاظ على الرؤية مع التطوير، مما يجعله نموذجاً يُحتذى به في العمل التنموي المؤسسي الذي يتجاوز الأفراد ليخلق منظومة متكاملة تخدم الإنسان في كل مكان، وتحقِّق شعار "التنمية للجميع" الذي نادى به مؤسسه الراحل رحمه .