صداقتنا مع التسويف
بقلم: محمد خواجي
ذات مساء، جلس "صديقي " أمام جهازه المحمول، عاقدًا العزم على أن ينهي دراسة مشروعه المؤجل منذ زمن. فتح جهازه ، بدأ في جمع المعلومات ثم خطرت له فكرة: "ماذا لو شاهدت حلقة واحدة فقط من مسلسلي المفضل ؟ مكافأة بسيطة قبل العمل". الحلقة صارت ثلاثًا، و العمل بقي كما هو.
صديقي لم يكن كسولًا، ولم يكن عديم الطموح. هو فقط وقع في فخ التسويف.
ما هو التسويف؟
التسويف هو تأجيل القيام بالمهام رغم إدراكنا أن هذا التأجيل سيجلب لنا ضغطًا أو ضررًا. هو ذاك الصوت الخفي الذي يهمس: "ليس الآن... لاحقًا أفضل"، بينما تمضي الساعات و الأيام و قد تصل إلى سنوات وتتراكم المهام ويزداد الشعور بالذنب.
لماذا نسوّف؟
العديد من الدراسات النفسية تؤكد أن التسويف ليس مجرد كسل أو ضعف إرادة، بل هو غالبًا نتاج معركة داخلية مع المشاعر السلبية المرتبطة بالمهمة. الخوف من الفشل، القلق من عدم الإتقان، أو حتى الشعور بالملل، كلها تجعل الدماغ يهرب إلى أنشطة أكثر راحة، لكنها ليس لها أهمية كبيرة .
الباحث الكندي "تيم بيشيل" يشير إلى أن التسويف هو في جوهره "تنظيم عاطفي"، وليس فقط مشكلة في إدارة الوقت. نحن لا نؤجل المهام لأنها صعبة بالضرورة، بل لأننا لا نحب الشعور الذي تولده فينا.
ما الذي يحدث في أدمغتنا؟
علميًا، هناك صراع قائم بين منطقتين في الدماغ:
القشرة الجبهية الأمامية : المسؤولة عن التخطيط واتخاذ القرارات المنطقية.
الجهاز الحوفي: وهو الجزء العاطفي الذي يبحث عن المتعة الفورية ويتجنب الألم.
وعندما نرضخ للتسويف، فالمعركة قد حُسمت لصالح الجهاز الحوفي.
كيف نكسر دائرة التسويف؟
ابدأ بخطوة صغيرة: قل لنفسك "سأعمل لمدة دقيقتين فقط"، فبداية صغيرة قد تقود إلى دفعة كبيرة.
غيّر بيئتك: أعد ترتيب مكان العمل، أغلق إشعارات الهاتف، وابدأ في مكان هادئ.
أعد صياغة هدفك: لا تقل "يجب أن أكتب"، بل "أنا أحقق هدفًا مهنيًا مهمًا".
تقبل العثرات: لا تجلد ذاتك إن فشلت، بل اغتنم الفرصة لتبدأ من جديد. فالتسامح مع النفس هو بوابة العودة للإنتاج.
أخيرًا...
التسويف قد يبدو عادة بسيطة، لكنه مع الوقت يصبح لصًّا محترفًا، يسرق أحلامنا دون أن نشعر.
والحل ليس في انتظار الإلهام، بل في مقاومة الكسل بمبادرات بسيطة، وتحويل العمل من عبء إلى رسالة.
فكما قال نيتشه: "الرغبة وحدها لا تكفي، يجب أن نجرؤ على الفعل."
ومضة : هناك غرفة معتمة داخل كل شخص منّا.. تحتاج الجرأة لدخولها.